وطنا اليوم _
في لحظةٍ ما، حين يشتد صخب المدن وتضيق الأرواح بضجيج العناوين والمكاتب، يعود بعض الرجال إلى حيث بدأت الحكاية الأولى إلى التراب هناك، حيث لا مكان للزيف، ولا قيمة للكلام إن لم يتحول إلى فعل بين هيبة المنصب ونقاء الأرض، تتشكل حكايات لا تُكتب بالصدفة، بل تُحرث بالصبر وتُروى بالإيمان حيث حكايات رجال فهموا مبكراً أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بما يُقال عنهم، بل بما يزرعونه في الأرض وفي الناس ومن هذا المعنى العميق، تبدأ قصة المهندس حمزة العدوان، الرجل الذي اختار أن يصغي لنداء الجذور، وأن يبدّل مسار حياته لا هرباً من مهنة، بل بحثاً عن ذاته الكاملة، فكان قراره أشبه بعودة الروح إلى الجسد، وعودة الإنسان إلى معلمه الأول الأرض.
بدأت قصة حمزة العدوان في عالم الصحافة والإعلام، حيث الكلمة هي الأداة، والسبق هو الغاية، والضجيج هو العنوان الدائم هناك، تعلّم كيف تُصاغ الحكايات، وكيف يُدار الرأي العام، وكيف تُقرأ التفاصيل الصغيرة قبل الكبيرة لكنه، رغم نجاحه، كان يشعر أن المسافة بينه وبين ذاته الحقيقية تتسع، وأن الشغف الذي لا يُرى في عيون المتعبين خلف الشاشات، يسكن في مكان آخر في الحقول المفتوحة، وفي التراب الذي لا يكذب ولا يجمّل الحقيقة.
رغم حداثة تخرجه، ورغم كل التحديات التي تواجه أي شاب في بداياته المهنية، اتخذ حمزة قراراً وصفه كثيرون بالمغامر، بل وبالجنون :أن يترك الصحافة ليحمل المعول فلم يكن ذلك انسحاباً من مهنة، ولا رفضاً لمسار، بل عودة واعية إلى الجذور لم يرد أن يكون مزارعاً بالوراثة فقط، ولا أن يكتفي بحنين عاطفي للأرض، بل أراد أن يكون مزارعاً بالعلم، بالمنهج، وبالفهم العميق لهندسة الطبيعة.
عاد إلى مقاعد الدراسة الجامعية، لا ليقرأ عن الأخبار العاجلة، بل ليدرس أسرار التربة، وديناميكية المحاصيل، وإدارة الموارد الزراعية الحديثة واختار الهندسة الزراعية عن قناعة راسخة، إيماناً منه بأن الزراعة اليوم لم تعد عملاً تقليدياً، بل علماً قائماً بذاته، يحتاج إلى تخطيط، وابتكار، ورؤية مستقبلية تخرّج، وانتسب إلى نقابة المهندسين الزراعيين، حاملاً شهادة لا يرى فيها لقباً، بل مسؤولية تجاه الأرض والإنسان.
رحلة حمزة العدوان مع الأرض لم تكن سهلة، ولم تُفرش بالنجاحات السريعة حيث واجه تحديات التمويل، وتقلبات المناخ، وصعوبة إقناع البعض بأن الزراعة يمكن أن تكون مشروعاً ناجحاً لا مجرد مهنة شاقة. لكنه تعامل مع كل تحدٍّ بعقل المهندس، وصبر الفلاح، ووعي الصحفي الذي يعرف أن كل قصة نجاح حقيقية تبدأ بفصل مليء بالعقبات حيث كان يؤمن أن الأرض لا تعطي من يستعجلها، بل تكافئ من يفهمها ويحترم قوانينها ويصبر على نتائجها.
تميّز حمزة العدوان بنموذج مختلف في العمل الزراعي، جمع فيه بين المعرفة الأكاديمية، والتجربة الميدانية، والرؤية الإنسانية حيث لم ينظر إلى الزراعة كمصدر دخل فقط، بل كرسالة اقتصادية واجتماعية ووطنية آمن بأن الأمن الغذائي لا يُصنع في المؤتمرات وحدها، بل في الحقول التي تُدار بعلم، وتُحمى بوعي، ويقف خلفها شباب يؤمنون أن المستقبل يمكن أن يُزرع كما يُبنى.
اليوم، يُعد حمزة العدوان مثالاً حياً لشباب قرروا كسر القوالب الجاهزة، وإعادة تعريف مفهوم النجاح هو قصة شاب لم يخجل من تغيير مساره، ولم يتردد في العودة خطوة إلى الوراء ليقفز خطوات إلى الأمام. أثبت أن الهيبة الحقيقية ليست في المنصب، بل في القرار، وأن طهارة الأرض قادرة على صناعة رجال يعرفون معنى التعب، وقيمة الصبر، وجمال الإنجاز الصامت.
قصة المهندس حمزة العدوان ليست مجرد انتقال مهني من الصحافة إلى الزراعة، بل رسالة واضحة لكل من يبحث عن ذاته بعيداً عن الضجيج، مفادها أن التراب هو المعلم الأول، وأن من يتقن الاستماع إلى الأرض، يفهم الحياة كما يجب إنها حكاية نجاح أردنية صادقة، تُكتب بحبر الجهد، وتُقرأ في عيون كل شاب آمن أن المستقبل لا يُنتظر بل يُزرع.






