بقلم: المحامي حسين أحمد عطا الله الضمور
ليس عجيبًا أن يتحوّل الشعب الأردني، بكل مكوّناته، إلى جمهورٍ واحد يشجّع المنتخب الوطني؛ فالوطن ليس فريقًا عابرًا، بل روحٌ تجري في العروق حبًّا وانتماءً وولاء. هذا هو الشعب الأردني حين يُستدعى اسمه، وحين تُرفع رايته، وحين يُختبر نبضه.
ليعلم الكثيرون أن الانتصارات الكروية، على بساطتها الظاهرة، تسدّ فراغًا كبيرًا يبحث عنه المواطن اليوم. هي انتصارٌ رمزيّ في زمنٍ يتوق فيه الناس إلى انتصاراتٍ أكبر: الانتصار على الفقر، وعلى البطالة، وعلى المرض، وعلى الإحباط الذي يرهق الأرواح. حين تضيق الساحات، تتّسع المدرّجات، وحين تتعقّد المعارك، يصبح الهدف في مرمى الخصم لحظة أمل.
لسنا جميعًا رياضيين، ولا كلّنا نعشق لعب كرة القدم، لكن في داخل كلٍّ منّا دافعًا خفيًّا يجعلنا نريد الوطن أوّلًا في كلّ شيء. نريده متقدّمًا، مرفوع الرأس، حاضرًا على منصّات الفرح كما هو حاضرٌ في ميادين الواجب. الكرة هنا ليست مجرّد لعبة؛ إنها لغةٌ مشتركة تجمع المختلفين، وتوحّد المتباعدين، وتُذكّرنا بأننا حين نختلف في التفاصيل، نتفق على الأردن.
عندما يسجّل المنتخب هدفًا، يعلو الهتاف من البيوت والشوارع والمقاهي، وتلتقي القلوب قبل الأصوات. إنها لحظة نادرة نشعر فيها أننا فريقٌ واحد، وأن الخلافات تُؤجَّل، وأن الهمّ الشخصي يتراجع أمام فرحٍ عام. في تلك اللحظة، يصبح الجميع لاعبي كرة قدم، لا بأقدامهم، بل بقلوبهم.
قد لا تحلّ كرة القدم أزماتنا، لكنها تمنحنا دفعة أمل، وتذكّرنا بقدرتنا على الفرح، وبأن هذا الوطن يستحق أن نفرح له، وأن نقاتل لأجله في كلّ الميادين. فإذا كان هدفٌ واحد قادرًا على جمعنا، فكيف إذا جعلنا الوطن كلّه هدفنا؟
الأردن يستحق أن يكون الأوّل، لا في مباراةٍ فقط، بل في كرامة عيش أبنائه، وفي عدالة الفرص، وفي صحة الإنسان وتعليمه. وحتى يتحقّق ذلك، سيظلّ التشجيع صادقًا، والولاء ثابتًا، لأن الوطن—في النهاية—أكبر من مباراة، وأبقى من نتيجة.






