د. مفضي المومني.
لا يخفى علينا جميعاً أن مشكلتنا الأولى في مسيرة بلدنا هي بالإدارات..! ولذا… وبعد مئة عام من عمر الدولة لا زلنا نستطرق الإصلاح الإداري…من جديد… وتجاوزه غيرنا منذ عقود… لأن التغيير والتطوير عدو المتنفعين والمتقاعسين ومن وصل دون كفاءة… وحليفه الواسطة..!
ومرّةً أُخرى تتلوها مرّاتٌ سأكتبُ عن الإداراتِ والإدارات الأكاديميّةِ في بلدي، وأؤكّدُ أنّني لا أكتبُ عن شخصٍ بعينه، ولا أُسقِطُ على أحدٍ بعينه، إلّا إذا انطبق مثلُنا الشعبيّ على أحدهم: «يكادُ المريبُ أن يقولَ خذوني.. وقد اخذ بعضهم بما فعل… في الدنيا… والآخرة تنتظر الجميع..! »؛ لأنّني أكتبُ في الشأنِ العام، وكتبتُ ذلك سابقًا. ولأنّ مشكلةَ الإداراتِ الأكاديميّةِ في جميعِ مستوياتها معضلةٌ تنتشرُ في كلِّ جامعاتِنا الوطنية، ولأنّني أؤمنُ أنّ مشكلتنا على مستوى الوطن هي مشكلةُ إدارات، وأعتقدُ جازمًا أنّ الإداراتِ الأكاديميّةَ في التعليمِ العالي وفي جامعاتِنا تُسهِمُ بقدرٍ كبيرٍ في هذه المشكلة.
وتتحسّرُ وأنتَ تسمعُ دائمًا أنّ مصدرَ إحباطِ الأكاديميين في جامعاتِنا في الغالب هو إداراتُهم الجامعيةُ بكلِّ مستوياتها. وأنا أقصدُ هنا الإداراتِ السلبيّة التي لا تمتلكُ الكفاءةَ والأمانة والخبرةَ في أيٍّ من درجاتِ ومواقعِ الإدارة، من رئاسةِ القسم إلى العمادة إلى رئاسةِ الجامعة؛ لأنّها تؤثّرُ بشكلٍ كبيرٍ في المسيرة الأكاديمية، وفي صناعةِ الإحباطِ لدى العاملين وتعزيزِ ظاهرةِ الانسحاب، بحيثُ يُصبحُ همُّ عضوِ هيئةِ التدريس إعطاءَ محاضرته والانصرافَ إلى بيته، لكي لا يُدخلَ نفسَهُ في ترّهاتٍ إداريّةٍ ودوائر تصفيةِ الحساباتٍ يمارسُها البعضُ لأسبابٍ شخصية، أو من قبيلِ الغيرةِ أو الحسدِ أو المناكَفة أو تشويه السمعة والأحقاد أو الأمراض النفسية.
ولو قُدِّر لعلماءِ الإدارة إعادةُ النظرِ بنظريّاتهم الإداريّة، وأخذوا إداراتِنا نموذجًا، لخرجوا علينا بنظريّاتٍ جديدةٍ في الإدارة؛ مثل: (الإدارةِ بالتيّاسة، الإدارةِ بالتناحة، الإدارةِ بالمناكفة، الإدارةِ بالعباطة… وكلّها نماذجُ نراها يوميًا سواءً في جامعاتِنا أو في الإدارات حيثما وجدت.
فالبعضُ عندما يسوقُه القدرُ بالواسطةِ أو المحسوبيّةِ أو النفاقِ أو واسطةٍ «من فوق» ليتولّى أمورَ الناس، ينسى نفسَه، ويتصرّفُ بشخصنةٍ ومزاجيّةٍ في إدارةِ شؤونِ الناس، ويتصرّفُ بعقليةِ المزرعة، وهنا لُبُّ المشكلة… ومن يقول أن هنالك شفافية ومؤسسية ونظام للمناصب العليا… أقول له هذا للاستهلاك العام… ولدينا أمثلة كثيرة عن وصول س و ص لمناصب عليا بالواسطة فقط… ويخرجوا عليك بأنه حصل على أعلى النقاط… والحقيقة أنه مدعوم فقط… وبعضهم داوم بمنصبه من اشهر تحت مسمى وهمي…!أو ابلغ مسبقا… قبل التنافس..! .
وبنفسِ الوقت نتمنّى أن تكونَ الإداراتُ في جميعِ المستوياتِ الأكاديمية على قدرٍ كبيرٍ من التأهيلِ والإيجابيّة؛ لأنّها تبعثُ الدافعيّةَ في الأكاديميين والعاملين، وتزيدُ من نشاطِهم وحبّهم لمؤسستِهم، وبالتالي المساهمةِ في تحقيقِ أهدافِ المؤسسة والنظامِ التعليمي، وكلُّ ذلك يصبُّ في مصلحةِ الوطن…وعكس ذلك عصر الرويبضات..!.
ولأنّني أعرفُ كما تعرفون أنّ غالبيةَ من يتسنّمونَ مراكزَ الإدارةِ العامة في الأردن وفي بلدانِنا العربية وصلوا إلى كرسيّ الإدارةِ عن طريقِ الواسطة أو المحسوبيّة أو الوصوليّة أو الوراثة أو النفاق أو الخداع…أو تبادل المصالح… وحدثَ ولا حرج؛ فالقائمةُ طويلة. إلّا من رحمَ ربّي، ممّن وصلوا للمنصبِ الإداريّ عن طريقِ الجدارةِ والكفاءة، وهُم قلّةٌ في ممارساتنا العتيدة، وغالبًا ما يُحارَبون ولا يصمدون طويلًا أمامَ تغوّلِ المحسوبيّة ومراكزِ القوى الفاشلة والمتنفّذة.
ولأنّ علمَ الإدارةِ يخبرُنا أنّ أسوأَ أنواعِ الإدارات هو «الإدارةُ بالسلطة»، وأنّ محورَ العمليةِ الإدارية هو التأثيرُ على المرؤوسين، ونظرية (X, Y)، وقضيّةُ تحويلِ العاملينَ من «X» إلى «Y»: أي من عاملينَ بلا رغبةٍ ولا دافعيّةٍ للعمل ولا يعملونَ إلّا بمراقبة، إلى عاملينَ لديهم رغبةٌ ودافعٌ ذاتيّ للعمل دون مراقبة… وهذا باختصارٍ شديد.
وأظنُّ أنّ كثيرًا ممّن أتت بهم الواسطةُ إلى منصبٍ إداريّ لا يُدركون ذلك، وهم سببٌ في تخلّفِ مؤسّساتِنا، وإحباطِ الأفرادِ المتميّزين، وانسحابِهم، وظهورِ الأفرادِ الطفَيليّين الإمعاتِ الذين تعوزهم الكفاءةُ والقدرةُ على الإدارة (الرويبضات)، عديمي الخبرة، ليتولّوا أمورَ الناس، ممّا يؤدي إلى ضعفٍ وانحطاطٍ في النتاجاتِ والأهدافِ وتدنّيها، لأنّ فاقدَ الشيءِ لا يُعطيه.
وعندما تتكرّرُ هذه النماذجُ في مؤسّساتِنا الأكاديمية وغيرها، نصلُ في النهايةِ إلى تخلّفٍ على الصعيدِ الوطنيّ والجهدِ العام.
وقد أعجبني أثناءَ مطالعتي لأحد المواقع هذا العرضُ لصفاتِ المديرِ الناجحِ والمديرِ الفاشل، صادرٌ عن معهد «غالوب» الأمريكي، أنقله للفائدة، وليقرأه من يريد من الإداريين، وليعترفْ لنفسه فقط: أهو ناجحٌ أم فاشل؟ وعليه إمّا أن يتعلّمَ كيف يكونُ ناجحًا، أو أن يعرفَ قدراتِه ويتنحّى… ولا أظنُّ أن أحدًا سيفعل!
ففي تجاربِنا العربية، وعلى مستوى الرؤساء، لا يوجد رئيسٌ متقاعد؛ رؤساؤنا – بعد عمرٍ طويل – إمّا في القبر، أو في السجن، أو رئيسٌ للمرّة الرابعة ولو على كرسيِّ المقعدين!
وكشفَ استطلاعُ مركز «غالوب» أيضًا أنّ المديرَ الفاشل هو السببُ الرئيس في تركِ الموظفينَ والعاملينَ المتميّزين لوظائفِهم، وأنّ أكثرَهم عندما يتركونَ العمل فإنهم يتركونَ المديرَ لا المؤسسة.
وقد عرضت الدراسةُ الفروقاتِ بين المديرَين الناجح والفاشل كما يلي:
1. المديرُ الناجح يسعى لتثبيتِ أقدامِ المؤسسة وتقويتها، والمديرُ الفاشل يسعى لتثبيتِ قدمه في المؤسسة وتقوية مكانته.
2. المديرُ الناجحُ يحترمُ آدميةَ الموظف وإنسانيته، والفاشلُ لا يعترفُ بآدميةِ الناس ولا يراعي إنسانيتهم.
3. المدير الناجحُ يقول: «أنا أعتقدُ كذا… فما رأيكم؟»، والفاشلُ يقول: «أنا قرّرتُ كذا… فنفّذوا».
4. المدير الناجحُ يُرقّي من يُتقن عملَه، والفاشلُ يُرقّي من يُتقنُ مدحه والنفاق له.
5. المدير الناجحُ يضعُ خطةً تتناسبُ مع قدراتِ مرؤوسيه، والفاشلُ يضعُ خطةً دون النظرِ إلى إمكاناتِهم.
6. المدير الناجحُ يثقُ بالأكْفَاء، والفاشلُ لا يثقُ إلّا بنفسه.
7. المدير الناجحُ يرغب أن يسمع «أنا أقترح»، والفاشلُ يرغب أن يسمع «أنا أؤيّدك».
8. المدير الناجحُ يحقق مكاسبَ للمؤسسة من أجلك، والفاشلُ يريدُك أن تحقق مكاسبَ من أجله.
9. المدير الناجحُ يتخذُ القرار بسرعةٍ بعد تفكير، والفاشلُ يتخذُه ببطءٍ قبل التفكير، ويتراجعُ عنه بسرعةٍ دون تفكير.
10. المدير الناجحُ يُبادرك بالمكافأة، والفاشلُ ينتظرُ أن تكافئه أنت.
11. المدير الناجحُ يراقب العمل، والفاشلُ يتجسّس عليك.
12. المدير الناجحُ يراعي حالتك النفسية، والفاشلُ يعاملك حسب مزاجه.
13. المدير الناجحُ يعتبر عملَه رسالة، والفاشلُ يعتبره ثِقَلًا ورئاسةً.
14. المدير الناجحُ ينجز تحت ضغط الوقت، والفاشلُ يستسلم وييأس.
15. المدير الناجحُ صادقٌ في وعده، والفاشلُ مُخلِفٌ لوعده.
16. المدير الناجحُ منضبطٌ في وقته وسلوكه، والفاشلُ غيرُ منضبط ويطالبُ الآخرين بالانضباط.
17. المدير الناجحُ صبورٌ طويلُ النفس، والفاشلُ عجولٌ قصيرُ النفس.
18. المدير الناجحُ يُؤمّن بيئةً آمنةً للعاملين ليُبدعوا، والفاشلُ يتسلّط ويُرهب العاملين معتقدًا أنّ ذلك يزيد إنتاجهم.
ويقول «روي فلمان» من شركة أمريكان موتورز:
«قد يأتي الموظفُ غاضبًا، فأقابله بهدوء، أجلسه قبل أن أجلس، وأطلب له العصير، ثم أدعه يتحدث بلا مقاطعة… فيخرج وقد تبدلت حاله من الغضب إلى الدافعية والرغبة في العمل».
هذا بعضُ ما فكّر فيه غيرُنا ونسيناه نحن في خضمِّ البحث عن الكرسي بأيِّ ثمن، ونقول لهم:
الواسطةُ (من فوق أو تحت) والمحسوبيّةُ والوصوليّةُ والنفاقُ قد توصلك للمنصب، لكنها لن تضمن لك النجاح.
نتمنى أن ترقى الإداراتُ في بلدي إلى أفضل المستويات، وأن نتعلم من تجارب الآخرين؛ فليس في قاموسِ نجاحِ الإدارات نجاحٌ بالتسحيج ولا باستجداءِ الولاءِ الكاذب ولا بمدحٍ مدفوعِ الثمن.
عملُك الحقيقيّ هو ما يشهد لك، وهو نجاحك الفعليّ.
﴿كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ﴾ (الرعد: 17).
حمى الله الأردن.






