نحو رؤية سياحية جديدة: “الخبرة في المستقبل” لا “إدارة الماضي”
بعد كشف أرقام السياحة الغربية: هل نعيد النظر في الجدوى الاقتصادية وأدوات الترويج؟
بقلم نضال ملو العين:
في خطوة تتسم بالشفافية والمكاشفة الضرورية لتصحيح المسار، يأتي التصريح بأن نسبة السياحة الأوروبية والغربية القادمة إلى المملكة لا تتجاوز 15%، ليعلن عن حقيقة رقمية متواضعة مقارنة بحجم الجهود المبذولة والكلف الإنفاقية العالية على الترويج. هذا الإقرار يضعنا أمام استحقاق وطني لإعادة قراءة المشهد السياحي بدقة، بعيداً عن المجاملات الرقمية.
لقد أشرنا لسنوات خلت إلى أن الأرقام الإجمالية لأعداد الزوار قد تكون صحيحة حسابياً، ولكنها غير منطقية في التوزيع والتحليل الاقتصادي؛ إذ يتم احتساب الأشقاء العرب من حملة الجوازات الأجنبية ضمن السائحين الأوروبيين، مما يرفع الأعداد ظاهرياً ولكنه يحجب الرؤية عن الحاجة الملحة لاستقطاب “السائح الغربي الحقيقي” وعابر القارات، الذي يحقق القيمة المضافة ونوعاً مختلفاً من الإنفاق السياحي. إن الاعتراف بهذه الإشكالية هو أول خطوات النجاح، حيث يمهد الطريق لإعادة هيكلة وبرمجة الخطط التسويقية بناءً على جدوى اقتصادية واقعية.
إن التحدي اليوم لم يعد يقتصر على تصحيح الأرقام فحسب، بل نحن مقبلون على مرحلة تتسم بزيادة حدة “المنافسة السياحية” في الإقليم، خاصة مع بوادر الاستقرار الجيوسياسي المتوقع في المنطقة خلال السنوات القادمة. هذا الواقع يفرض على القطاع السياحي الأردني أن يكون في أعلى درجات الجاهزية، ليس فقط لتسيير الأعمال، بل لتطوير منظومة سياحية شاملة تعتمد أساليب الإدارة الاستراتيجية السياحية و تسويق وعلاقات عامة مبتكرة.
وفي سياق الحلول، لا يمكننا الاستمرار في تركيز جهودنا الترويجية على عدد محدود من الدول الأوروبية (3 إلى 5 دول فقط)، ولا ينبغي الارتكان كلياً إلى شركات الطيران منخفض التكاليف الأجنبية وحدها. الحل يكمن في معالجة جذرية للوجستيات والنقل السياحي؛ عبر إيجاد بدائل وطنية أو شراكات استراتيجية لشركات طيران منخفض التكاليف تستهدف وجهاتنا المحددة، بالإضافة إلى تفعيل الطيران العارض (Charter)، وتطوير أساليب النقل “الترانزيت” لتكون أقل كلفة وأقصر وقتاً، مما يزيل أحد أهم عوائق القدوم إلى المملكة.
إن الحلول موجودة، والقدرة على تنفيذها متاحة، ولكنها مرهونة بتوفر “الإرادة الحقيقية” للتنفيذ، وهو الدور المناط بهيئة تنشيط السياحة في المرحلة المقبلة. إننا نمر بفترة حاسمة لا تحتمل التباطؤ، وتتطلب فريق عمل خاصاً يعمل بسرعة وقوة لتحقيق أهداف واضحة المعالم.
ختاماً، ما يحتاجه القطاع السياحي اليوم ليس التغني بالخبرة في “الماضي” أو الاكتفاء بمهارة “تسيير الأعمال” اليومية، بل نحن بحاجة ماسة إلى عقليات تمتلك “الخبرة في المستقبل”؛ رؤية استشرافية قادرة على قراءة المتغيرات وصناعة الفرص لقطاع يعتبر من اهم موارد الأردن و الذي سيحقق نهضة اقتصادية بإدارة و استثمار الأصول السياحية و و تطويرها .






