دفاعاً عن وزارة الأوقاف وخطبائها

34 ثانية ago
دفاعاً عن وزارة الأوقاف وخطبائها

بقلم: الدكتور بلال عبد الرحمن إبداح

قرأتُ مقالة الأستاذ الفاضل مجدي محيلان (اللحنُ في خُطبة الجمعة) التي تنمّ عن غيرة صادقة على لغتنا العربيّة وشعيرة الخطابة، وهي غيرةٌ مُقدّرة، غير أنّ ما تكرّر في ثنايا المقال من تعميمات جاءت في سياق النّقد، مثل: “الكثير من الخطباء لا أراه ينسجم مع منهج البحث الرّصين في إصدار الأحكام وتكوين الانطباعات، ذلك المنهج الذي يقوم على الإحصاء والدّراسة المستفيضة، لا على الانطباع الجزئي؛ فالحكم على مجموع الخطباء الأفاضل بناءً على حالاتٍ محدودةٍ تشويه للواقع وإفساد للحقيقة.

 

وإذا كان المولى عزّ وجلّ قد أمرنا بالتزام العدل والإنصاف حتى مع مَنْ نُضمِر لهم الكراهيّة؛ فالأولى أنْ يكون ذلك بين أهل الودّ والمحبّة، قال تعالى﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾.

أمّا الخطيب على اعتبار أنّه داعيةٌ ومصلحٌ، وأنّه على دِراية بجمهوره، فنراه يجتهد “حيث يلزم” في تبسيط العبارة وتقريب الفكرة بألفاظٍ قريبة من أفهام عموم المصليّن، مراعاةً لأحوال كبار السنّ وتفاوت الأعمار، وتنبّهاً حكيماً منه لاختلاف مستويات التّعليم والثّقافة، وصدق النبي ﷺ إذ يقول: (ألَا هلكَ الْمُتَنَطِّعونَ، ألَا هلَكَ المتنطِّعونَ، ألَا هلكَ المتنطِّعونَ)، والمتنطّع هو المتكَلِّف في قوله أو فعله.

إذن؛ فالمقصد الأعظم من رسالة المنبر هي إيصال المعنى وترسيخ الفهم، بعيداً عنْ التكلّف في المباني الّلغوية.

وأمّا وزارتنا الحبيبة، وزارة الأوقاف والشؤون والمقدّسات الإسلاميّة، فأطمئنكم أنّها تبذل وُسْعَها في رفع سويّة الأئمة والخطباء الكرام، من خلال الدّورات المتخصّصة في مهارات الخطابة، وأصول الإلقاء، وقواعد الّلغة، ومَخارِج الحروف؛ انسجاماً مع رسالتها الدّعوية الّتي تتحمّل فيها مسؤولية الكلمة الطّيبة، قال تعالى: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).

والوزارة -بعلمائها وخبرائها- لا تني ولا تنثني عن مواصلة هذه الجهود المباركة عبر كثير من أذرعها ومؤسساتها ومبادراتها؛ مثل: الدورات العلميّة الدّولية لشرح مضامين رسالة عمّان، والدّورات المتخصّصة التي تعقد بانتظام في معهد الملك عبد الله الثاني لتأهيل الخطباء والأئمة؛ فضلاً عن الدّورات المهاريّة الأخرى التي تصبّ جميعها في جهود تمكين الخطيب والارتقاء بالكلمة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ إحصائيات وزارة الأوقاف تشير إلى وجود أكثر من خمسة الاف مسجد تُقام فيها خطبة الجمعة، وأنّ طيفاً واسعاً من هؤلاء الخطباء يحملون شهادات الدكتوراة ودرجات علمية رفيعة، وهم مدَرِّبون في مجالهم وخبراء في ميدانهم؛ بل إنّنا بِتْنا نعرف كثيراً منهم بفضل شهادة النّاس فيهم وتناديهم لشهود خطبهم، الأمر الّذي يعكس مستوىً مشرقاً عن خطباء مساجدنا وتمكّنهم من براعة الإلقاء وحُسن الأداء. 

أمّا الخطبة الموحّدة الّتي تعمّم على خطباء الجمعة فتأتي مشكولة وموثّقة، ويشرفُ على إعدادها ومراجعتها فريق من أهل الاختصاص في وزارة الأوقاف؛ حرصاً على سلامة المضمون، واتّساق الموضوع، وضبط العبارة، وحُسن الاستدلال.

وعطفاً على ما سبق؛ فإنّنا لا ننكر أنّ بعض الخطباء قد يقع في هِناتٍ لغوية أو سهوٍ عارض، وما نعتقده بخطباء مساجدنا أنّ الخير فيهم غالب، والحرص منهم على أداء الرسالة ظاهر.

والله من وراء القصد