بقلم المحامي حسين احمد الضمور
في سنّ الستين، لا نصل إلى نهاية الطريق كما يظن بعضهم، بل نصل إلى قمّة الوعي؛ النقطة التي ترى منها الدنيا بوضوح لم يكن متاحًا من قبل. هنا يبدأ الإنسان بتجهيزات “تسجيل الخروج”، ليس هروبًا ولا انسحابًا، بل صيانة للنفس، ووفاء للعمر الذي يستحق أن يُعاش بكرامة وسلام.
عند الستين، تُطفأ الكثير من الضوضاء من تلقاء نفسها، وتبقى الأصوات الحقيقية فقط. يبدأ المرء بخروجٍ هادئ من العلاقات المسمومة؛ تلك المبنية على مصلحة ضيقة أو خوف دفين أو عبارة أنه “يكفيني شرّه”. تلك العلاقات لم تكن يومًا صداقة ولا قرابة صادقة؛ مجرد أثقالٍ علّقت على الروح. وعندما ترفعها عن كتفيك، تشعر بأنك تستعيد عمرك كله لا جزءًا منه.
وتبدأ رحلة خروج أخرى… خروج من الأماكن التي جلسنا فيها مُجبرين، إمّا بحكم العمل أو الالتزام أو الحاجة. أما اليوم، فيستعيد الإنسان حقّه في اختيار مقعده في الحياة؛ يجلس حيث تسكن روحه، لا حيث يفرض عليه الواقع.
ثم تأتي مرحلة الخروج من الأشياء العبثية؛ تلك التي سرقت وقتنا وضاعت فيها أعمارنا دون أن ننتبه. في الستين، يصبح للوقت قيمة ذهبية، وللبساطة جمال لا يُقاس، وللراحة معنى لا يعرفه إلا من ذاق مرارة الركض الطويل.
في سنّ الستين، يبدأ الإنسان بتخفيف الحمل، لا لأن الطريق انتهى، بل لأنه يريد أن يقطع ما تبقى منه بخفّة ورضا. يسجّل خروجًا من كل ما يؤذيه، ويدخل إلى مرحلة جديدة من حياته؛ أصفى، أعمق، وأصدق.
هو ليس عمرًا للوداع… بل عمرٌ لتوديع ما لا يستحق البقاء.
وهو ليس وقتًا لانطفاء الشغف… بل وقتٌ لصيانة القلب ليضيء بما تبقّى من العمر بنور الحكمة وهدوء التجربة.
في الستين… تبدأ الحياة لمن فهمها.






