الاستثمار… والمناصير… والعصافير..!

29 ثانية ago
الاستثمار… والمناصير… والعصافير..!

د. مَفضي المُومِني.
منذُ أيّامٍ ونحن نُطالِعُ قضيّةَ تصريحاتِ مُستثمِرٍ كبيرٍ… وما أدهشني بعضُ المُدافعين المُدجَّجين ببِيروقراطيّةِ تعظيمِ الفسادِ وإلباسِه الثوبَ الملائكي… وحشرِ مُستثمِرٍ كبيرٍ بالزاوية… ورَدٍّ رسميٍّ خالٍ من الدَّسم… ذكّرني بحِقبةٍ عُرفيّة… ومقولةٍ لوزيرٍ عتيق: (أجهزتي لا تُخطِئ)… ودخولٍ بمُناكفةٍ مُنفِّرة… (الحقُّ علَيَّ لا الحقُّ عليك… دون بُعدٍ وطنيٍّ عميق!)، ووضعِ مُستقبلِ الاستثمارِ الوطنيّ على مَذبَحِ الفسادِ والإفسادِ والبِيروقراطيّة… وسُلطةِ الموظّفِ الحكومي… والقوانينِ (بِحَوافِيرِها!)، والبعضُ ذهب لأبعدَ من ذلك… أنّه نَهجٌ مخفيٌّ لإضعافِ الأردنّ وإفشالِ الاستثمارات… وتطفيشِ المُستثمِرين… كما تُكشُّ العصافير…!

جلالةُ المَلِك في زيارةٍ آسيويّةٍ، هدفُها الرئيسُ المُعلَن جلبُ الاستثماراتِ والشراكة… وفتحُ الأسواق… وبالتزامن تُثارُ قضيّةُ المُستثمِر… وهُنا مَربَطُ الفرس: (واحدٌ بِصلِّح، وألفٌ يِخَرِّبوا… وعطّارٌ ما بيلحَق على ألف…. !).

ثمّ لِنأخذْها بالعقل… هل وَضعُ الاستثماراتِ في بلدِنا على ما يُرام؟ هل نحنُ بلدٌ جاذب أم طارِدٌ للاستثمارات؟ هل هَرَبت استثماراتٌ كثيرةٌ لدُوَلٍ مُجاورة؟ هل وَضعُ البِطالةِ لدينا مُريح؟ 23% النِّسبةُ الرسميّة، و50% نِسبةُ بِطالةِ الشباب… وهذه نِسَبٌ تُؤكِّد فشلَنا لتاريخه في الاستثمارِ رغم كلِّ الجهودِ والوعودِ والمؤتمرات… (بتتذكّروا مؤتمر البحر الميت قبل سنوات والمليارات التي أغدقها علينا وزراءُ ذلك المؤتمر… حتى ظننتُ أنّنا سنُصبِح سِنغافورة العرب!)، وكلّه طَلَع ضَربَ حَكي وسَواليفَ حَصيدَه…!

لا حاجةَ لِنقول إنّ الاستثماراتِ هي من أهمِّ روافعِ الاقتصاد… والمُستثمِرُ صاحبُ مالٍ… ورأسُ المالِ جبان… والاستثمارُ بحاجةٍ إلى: تسهيلاتٍ وبيئةٍ مُريحةٍ آمنة، وثباتٍ في التشريعات، وحوافز، وأسعارِ طاقةٍ مقبولة، وأيدٍ عاملةٍ مُدرَّبة، وعدمِ وجودِ فسادٍ (وخاصةً الشريكُ المُضارِب)… وأجهزةٍ حكوميّةٍ وأفرادٍ يعرفون معنى الاستثمار وقادرون على تسهيله ودعمه، وتشريعاتٍ ناظمةٍ للاستثمار… مُحدِّدةٍ للمِزاجيّةِ والشخصنةِ التي تُعيق وتُدمِّر الاستثمار باسم القانون، وغير ذلك الكثير…! فهل نجحنا بذلك؟ الأرقامُ تقول: لا… والنتائجُ منشورةٌ عالميًّا… وما زِلنا نُدافع (بِقُرونٍ من طين… وعَنزةٌ لو طارت!)… وآخرُها البيانُ الرسميُّ الذي كُتِب بعقليّةِ التطفيش…!

البُلدانُ التي نجحت في الاستثمارات… ورفعت اقتصادَها… دلَّلت المُستثمِرين… وحافَظَت على بلدِها وسيادتِه… وأوقَفَت ببيروقراطيّةَ الأجهزةِ الحكوميّةِ المُعطِّلةِ والمُتنفِّعةِ والبطيئة… والفاسدة… ودلالةً على ذلك فكرةُ المناطقِ الحُرّةِ ذاتِ القوانينِ الخاصّةِ المرِنةِ المُشجِّعة… (وهذه المناطقُ لا تسري عليها قوانينُ الدولةِ البيروقراطيّة… لمعرفةِ أصحابِ الفكرةِ من التجربة؛ أنّها المُعطِّلُ الأوّلُ للاستثمار).

شيطنةُ المُستثمِر… والتضييقُ عليه مرّةً بالقوانين… ومرةً بالمِزاجيّةِ والشخصنةِ والتنفيعات… وتعريضُه لضغوطاتِ تبادُلِ المصالح… وَصفةٌ سِحريّةٌ لتطفيشِ الاستثمار… واستمتاعِ أربابِ الفسادِ بصَولاتِهم وجَولاتِهم… وإفقارِ البلد… وزيادةِ أعدادِ العاطلينَ عن العمل… وتستمرُّ معزوفةُ (بِكم تَزهُو المناصِب)… ويستمرُّ الحالُ المائل… ويا ليتَنا نتمثّل ما قاله الشافعيّ ونُسقِطُه على الاستثمار:

إذا المرءُ لا يَرعاكَ إلّا تكلُّفًا
فدَعهُ ولا تُكثرْ عليه تأسُّفًا
ففي الناس أبدالٌ وفي التَّركِ راحةٌ
وفي القلبِ صبرٌ للحبيبِ ولو جَفا
فما كلُّ من تَهوى يَهوىكَ قلبُه
ولا كلُّ من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صَفوُ الودادِ طبيعةً
فلا خيرَ في وُدٍّ يجيء تكلُّفًا
— محمد بن إدريس الشافعي.

وكلُّ استثمارٍ ونحن بخير… حمى الله الأردنّ.