الملك يعلنها: إن معي ربي سيهدين حقاً إنه الملك الأمين

ساعة واحدة ago
الملك يعلنها: إن معي ربي سيهدين حقاً إنه الملك الأمين

بقلم: د. سعيد محمد أبو رحمه.
فلسطين- غزة
الاعلان الملكي: “نعم، يقلق الملك، لكن لا يخاف إلا الله، ولا يهاب شيئًا وفي ظهره أردني، هو عبارة مكثّفة بالرسائل السياسية والنفسية والوطنية، تحمل في طيّاتها ملامح القائد، ومعالم العلاقة بين الحاكم والشعب، كما أنها تؤسس لرؤية قيادية في ظل تحديات إقليمية ودولية متصاعدة.
استخدام جلالته لعبارة “يقلق” يكسر النمط التقليدي لخطابات السلطة القائمة على استعراض القوة، ويُظهر القائد الإنسان، المتفاعل مع هموم شعبه وتحديات بلاده. لكن هذا القلق ليس قلق الخوف أو الضعف، بل قلق المسؤولية والحرص، وهو ما يضفي طابعًا إنسانيًا وعقلانيًا على الخطاب الملكي.
هذه العبارة تُمثل منظورًا أخلاقيًا ودينيًا للسلطة، مفاده أن القائد يستمد شرعيته وقوته من إيمانه لا من أدوات الهيمنة. وتنطوي العبارة على رفض الضغوط أو التهديدات، سواء كانت داخلية أو خارجية، وتُعد رسالة حاسمة بأن القرار السيادي الأردني مستقل ولا يخضع للإملاءات.
هذه العبارة تُعبّر عن ذروة الثقة بالقاعدة الشعبية، وتؤكد أن الشرعية الحقيقية تأتي من الشعب. وتحمل البعد الوطني في أوضح صوره: الشعب هو السند، لا القوى الأجنبية أو التحالفات الظرفية. وتشكّل أيضًا رسالة تعبئة رمزية، توصل للأردنيين أن وقوفهم خلف قيادتهم ليس فقط واجبًا وطنيًا، بل أيضًا مكمن قوة الدولة ومصدر طمأنينة لصانع القرار.
يأتي المقطع في سياق إقليمي معقد (العدوان على غزة، الضغوط الاقتصادية، التحديات الأمنية)، ويوجه رسالة إلى الداخل والخارج بأن الأردن ليس دولة قابلة للكسر أو الترهيب. ويعبّر عن تماسك الجبهة الداخلية، ويمهد لمواقف سياسية قد تتطلب دعمًا شعبيًا في المرحلة المقبلة.
ويحمل المقطع مضامين القيادة بالقدوة، حيث لا يتحدث الملك من برج عاجي، بل من موقع القرب والتمثيل الحقيقي لهموم الناس. ويُظهر الخطاب بكليّته أن النظام السياسي الأردني يستثمر في الثقة المتبادلة، ويعتمد على رصيد وطني لا على حسابات آنية.
فقلق جلالة الملك في خطاب العرش الأخير لم يكن محصورًا بالشأن الأردني الداخلي فحسب، بل امتد ليعكس همًّا قوميًا وحرصًا عميقًا على القضية الفلسطينية بمختلف مكوناتها: القدس والضفة الغربية وغزة.
كرر جلالة الملك كرّر التأكيد على وصاية الأردن الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ما يعكس قلقًا سياديًا وروحيًا. فهذا الموقف ليس جديدًا، لكنه جاء في لحظة حرجة تشهد فيها المدينة انتهاكات متكررة، فأراد الملك أن يؤكد أن القدس ليست وحدها.
تطرقه للوضع في الضفة يعكس حرصًا على وحدة الأرض الفلسطينية ورفضًا لسياسات الضم والتوسع الاستيطاني التي تهدد حل الدولتين. وقلقه تجاه غزة حمل بُعدًا إنسانيًا وأمنيًا في آن، مع تشديده على ضرورة وقف العدوان وحماية المدنيين. فحديثه عنها يتجاوز السياسة ليؤكد أن غزة جزء من الضمير العربي الأردني، وليست مجرد ملف إغاثي أو أمني.
حقا إنه الملك الأمين: اللقب يليق بمواقفه، فهو الأمين على القدس والهوية العربية والإسلامية، والأمين على حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم. أمانته تتجلى في ثبات الموقف رغم الضغوط، وفي الدبلوماسية الهادئة التي لا تتنازل عن الثوابت.
هذا الاعلان ليس مجرد جملة خطابية، بل هو إعلان مبدأ في فلسفة الحكم الأردنية: القوة الحقيقية تنبع من الإيمان بالله ومن الثقة بالشعب. وهو بمثابة خارطة طريق سياسية عنوانها: لا خضوع، لا خوف، ومظلة الشعب تحمي القرار والسيادة. ويؤكد أن الأردن لن يتخلى عن فلسطين، لا سياسيًا ولا أخلاقيًا.
خطاب العرش السامي ليس فقط وثيقة افتتاحية لدورة برلمانية، بل هو خريطة طريق للمرحلة القادمة. جمع بين الرؤية الإصلاحية والواقعية السياسية، وبين الالتزام الاجتماعي والصلابة الوطنية. يعكس وعيًا عميقًا بالتحديات، وإصرارًا على مواصلة البناء الوطني بثبات ومسؤولية