بقلم: المصرفي والمالي د. فريد الطوالبة*
من الواضح أن مؤسسة الضمان الاجتماعي في الأردن لا تُعد مجرد صندوق تقاعدي بل هي صمام أمان اجتماعي واقتصادي للمواطنين كافة ، خاصة في ظل ظروف اقتصادية متقلبة وارتفاع معدلات البطالة وتراجع الاستثمارات . لكن التأخير المتكرر في إعلان الدراسات الاكتوارية يطرح تساؤلات مشروعة حول مستقبل هذه المؤسسة وحول نوايا الجهات الرسمية في التعامل مع التحديات التي تهدد استدامتها*.
*تأخر الدراسة الاكتوارية.. هل يُخفي ما لا يُرضي؟*
*تُثبت التجارب كما تشير الدراسات والأرقام أن تأخر إعلان نتائج الدراسه الاكتوارية في موعدها المقرر غالبًا ما يكون مؤشرًا على وجود نتائج غير مريحة. وهذا التأخير بحد ذاته يُضعف الثقة الشعبية ويثير الشكوك بشأن شفافية البيانات المالية ، ولا يُستبعد أن يكون هناك توجّه من بعض الجهات السيادية العليا للوقوف على ما تتضمنه الدراسة بندًا بندًا ، ربما بهدف تهدئة الرأي العام أو لتجنب موجات القلق الشعبي التي قد تنجم عن الإعلان المباشر لواقع غير مريح*.
*فالضمان كما يدرك المواطنون هو “جيب الشعب” و”أمل الناس”، واستدامة أوضاعه المالية لعقود قادمة أهم بكثير من زيادة بسيطة في رواتب المتقاعدين قد تكون شعبوية في ظاهرها لكنها قد تُهدد البنية الأساسية للمؤسسة على المدى الطويل*.
*نقطة التعادل (Breakeven) تقترب.. والإنذار واضح*
*بحسب التحليلات والتقديرات، فإن نقطة التعادل – أي اللحظة التي تتساوى فيها الإيرادات مع النفقات – ستكون مع بدايات 2030 وهو توقيت قريب للغاية في عمر الأنظمة التأمينية. عندها تبدأ مرحلة الخطر الفعلي حيث يتآكل الفائض وتبدأ المؤسسة بالسحب من احتياطاتها لسد النفقات مما يُنذر بمستقبل مالي غير مستقر*.
*الحلول ليست مستحيلة.. لكنها تتطلب إرادة*
*إن تفادي هذا السيناريو ليس مستحيلًا لكنه يتطلب حكمة وتوجيهًا فعالًا للاستثمارات نحو قطاعات إنتاجية تدر عائدًا حقيقيًا وتقلل من الاعتماد على أدوات استثمارية تقليدية منخفضة العائد. كما أن تنويع الاستثمارات جغرافيًا وقطاعيًا سيعزز من فرص النمو ويقلل من المخاطر.*
*من جهة أخرى لا بد من الحد من إنهاءات الخدمة من قبل القطاعين العام والخاص والتي تخرج الآلاف من منظومة الاشتراك وتؤدي إلى تراجع في حجم الاشتراكات . كما أن فتح الأبواب امام الاستثمار العربي والدولي وصولا لإجتذاب مشاريع تشغّل الشباب وتخلق وظائف جديدة سيسهم في توسيع قاعدة المشتركين وبالتالي رفع حجم الإيرادات بشكل طبيعي ومستدام.*
*ولا شك أن الدولة الأردنية وعلى أعلى مستوياتها تُولي اهتمامًا بالغًا بمؤسسة الضمان الاجتماعي وبديمومتها واستدامتها المالية إدراكًا منها لما تمثّله هذه المؤسسة من عامل استقرار وطمأنينة لكافة أطياف الشعب الأردني . فالحفاظ على هذه المنظومة التأمينية ليس فقط واجبًا إداريًا أو فنيًا ، بل هو مسؤولية وطنية كبرى تلتزم بها الدولة وقيادتها انطلاقًا من إيمانها العميق بأن الضمان يشكل أحد أعمدة الأمن الاجتماعي والاقتصادي في البلاد*
*فمؤسسة الضمان الاجتماعي ليست مجرد إدارة حكومية عادية بل هي ملك وحق للأجيال الحاضرة والقادمة والحفاظ عليها مسؤولية وطنية مشتركة تتطلب الشفافية والمكاشفة والابتعاد عن المجاملة وإن تأخير إعلان الدراسات الاكتوارية أو التردد في الإصلاح لا يحل المشكلة بل يفاقمها ، ولا بد من العمل فورًا على ضمان استدامة مالية حقيقية لهذه المؤسسة لأن إنقاذها الآن أسهل بكثير من محاولة إنعاشها بعد فوات الأوان.*
*وبالختام، فإننا نحيي القائمين على إدارة هذه المؤسسة الوطنية الرائدة لما يملكون من كفاءة عالية ورؤية استراتيجية شاملة تؤهلهم لتحقيق نقلة نوعية متميزة تُبعد المخاطر وتطمئن الناس على مستقبلهم وطموحاتهم المرتبطة بهذه المؤسسة*