تبريرات هيئة الخدمة والإدارة العامة…نغمة متعالية زادت الشعور بهضم الحقوق

37 ثانية ago
تبريرات هيئة الخدمة والإدارة العامة…نغمة متعالية زادت الشعور بهضم الحقوق

بقلم: د. قاسم العمرو

أصدرت هيئة الخدمة والإدارة العامة بيانًا توضيحيًا عقب الجدل الذي أثاره مقطع فيديو لرئيسها المهندس فايز النهار خلال اجتماعه مع اللجنة الإدارية في مجلس النواب، بعد أن تحدث عن احتمال وصول فترة الانتظار للتعيين في القطاع العام إلى ثلاث وسبعين سنة. ورغم محاولة الهيئة تلطيف وقع العبارة وتفسيرها بأنها جاءت في سياق الحديث عن “الإعلان المفتوح” كخيار إصلاحي، فإن التوضيح الرسمي زاد من مساحة الشك وأثار أسئلة أعمق حول فلسفة هذا الإصلاح وجدواه الاجتماعية.

الهيئة أكدت أن الفيديو “مقتطع” من حديث مطوّل حول ضرورة الانتقال إلى نظام الإعلان المفتوح بدلاً من الاعتماد الكلي على نظام الدور والمخزون، معتبرة أن هذا التوجه يعزز الشفافية ويستقطب الكفاءات. غير أن هذا التبرير بدا في جوهره دفاعًا بيروقراطيًا لا يُقنع آلاف الخريجين الذين أفنوا سنوات عمرهم بانتظار دورٍ في التعيين، ليكتشفوا أن “الإصلاح الإداري” قد يُغلق أمامهم الباب إلى الأبد تحت شعار الكفاءة.

الإشكالية لا تكمن في الدعوة إلى التحديث أو رفع كفاءة الجهاز الحكومي، فذلك هدف لا يختلف عليه أحد، بل في المنهج الذي يُدار به هذا التحول؛ إذ إن الانتقال إلى نظام الإعلان المفتوح دون خطة انتقالية واضحة، أو معالجة عادلة لمن هم على الدور منذ عشرات السنين، يعني ببساطة هضم حقوق شريحة واسعة من الأردنيين، وإلغاء مبدأ العدالة الاجتماعية الذي يفترض أن يكون جوهر الخدمة العامة.

الحديث عن “الفرص المتكافئة” في ظل الإعلان المفتوح يبدو جميلاً في الخطاب، لكنه على أرض الواقع يعيد ترتيب الامتيازات لمصلحة من يمتلكون مهارات رقمية واتصالًا مستمرًا بالمنصات الحكومية، بينما يُقصى من لم تتح له الظروف أو الوسائل التقنية. العدالة هنا لم تعد في الكفاءة فقط، بل في تكافؤ إمكانية الوصول إلى الفرصة نفسها، وهو ما لم يشر إليه بيان الهيئة ولو تلميحًا.

ثم إن الإصلاح الإداري لا يعني الإلغاء الإداري. فالإصلاح الحقيقي يُبنى على تراكم التجارب واحترام الحقوق المكتسبة، لا على نسفها باسم “التطوير”. كان على الهيئة أن توضح آلية إنصاف من انتظروا لسنوات، أو أن تقترح مسارًا مزدوجًا يوازن بين المخزون والإعلان المفتوح في مرحلة انتقالية تحفظ العدالة وتبني الثقة.

لغة البيان أيضًا حملت نغمة دفاعية متعالية، وكأن المشكلة في سوء فهم الناس لا في سوء إدارة الرسالة، فبدل أن يُرمّم التوضيح الفجوة بين الهيئة والمجتمع، عمّقها أكثر وأظهر أن القرارات تُدار بعقلية الخبير الإداري.. لا  المسؤول الوطني.

ما بين “الدور” و”الإعلان المفتوح” يقف آلاف الخريجين في طابور الأمل المعلق، يترقبون لا إصلاحًا يبدّد الانتظار، بل عدالة تعيد لهم ثقتهم بالدولة كمظلة إنصاف، لا كحلبة منافسة غير متكافئة