وطنا اليوم:أجبرت الأوضاع الأمنية والمعيشية المتردية في الخرطوم، آلاف السكان العائدين إليها خلال الأشهر الثلاثة الماضية، على مغادرتها مجددا، وسط تدهور مروع في الخدمات وانتشار وقائع النهب والقتل، مع استمرار الحرب في السودان.
ومنذ اندلاع القتال في منتصف أبريل 2023، فر أكثر من 80 بالمئة من سكان مدن العاصمة الثلاث، المقدر تعدادهم بنحو 7 ملايين نسمة، إلى مناطق داخلية، وعبر بعضهم الحدود إلى بلدان مجاورة.
وفي سبتمبر الماضي، قدرت منظمة الهجرة الدولية عدد العائدين إلى العاصمة خلال الفترة من نوفمبر 2024 وحتى أغسطس 2025، بنحو 815 ألفا، لكن وفقا لمجموعات محلية تعمل في مجال تقديم الخدمات فقد نزح أكثر من نصف هذا العدد مجددا إلى خارج الخرطوم خلال الأسابيع القليلة الماضية، بسبب انتشار الأمراض وتردي الأوضاع المعيشية والأمنية.
وقال رئيس بعثة المنظمة في السودان محمد رفعت: “معظم العائدين يعودون إلى أماكن تفتقر إلى الخدمات وأساسيات ومقومات الحياة”.
نزوح عكسي
بالنسبة لمحمد عبد الله، الذي عاد في نهاية أغسطس إلى بيته رفقة أسرته في منطقة الحاج يوسف شرقي المدينة، فقد كانت المأساة مركبة، حيث توفي شقيقه الأصغر بسبب إصابته بحمى الضنك بعد أسبوع من عودتهم، كما واجهت أسرته عمليات نهب متكررة، فقد على إثرها اثنان من أبنائه هواتفهم المحمولة، وأصيب أحدهم في رأسه بعد محاولته مقاومة المجموعة التي أرادت نهبه.
ويقول عبد الله: “قبل أن نعود مرة أخرى إلى ولاية نهر النيل شمالي الخرطوم، عشنا أياما صعبة في ظل انقطاع الكهرباء والمياه، وتفشي الأمراض والمخاوف الأمنية. الأحياء خالية تقريبا من السكان، وعندما توفي شقيقي لم أجد سوى 5 من الجيران ليساعدوني على دفنه”.
ومثل عبد الله، اختار الكثير من العائدين النزوح مجددا من الخرطوم.
وقال وكيل سفريات محلية ، إن الشركة التي يعمل فيها كانت تسيّر خلال الفترة من مايو وحتى أغسطس أكثر من 40 رحلة يوميا من مناطق حلفا ودنقلا في أقصى شمال السودان ومدن أخرى في البلاد إلى الخرطوم، لكن المعادلة انقلبت خلال الأسابيع الأخيرة، حيث بات عدد الرحلات التي تغادر العاصمة يعادل 5 أضعاف الرحلات الداخلة، التي تراجعت إلى أقل من 8 رحلات يوميا.
واقع مأساوي
بمجرد الدخول إلى العاصمة، يصدم العائدون بمشهد الدمار الواسع في المباني والطرق، وأعمدة وأسلاك الكهرباء المتساقطة على الأرض، وخطوط المياه التالفة، وأطنان النفايات، والسيارات المدمرة الملقاة على جوانب الطرق.
ويعبر نور الدين إسحق، الذي عاد إلى منطقة دنقلا شمالي السودان بعد بقائه في الخرطوم لنحو 3 أسابيع، عن صدمته البالغة بالمشاهد المأساوية التي رآها.
وقال : “بعد معاناة مع الطرق المدمرة ونقاط التفتيش الأمني الكثيرة التي يقف فيها مسلحون ويتعاملون بقسوة شديدة، وصلت إلى بيتي في منطقة الكلاكلة جنوبي الخرطوم، لكن الحي الذي أسكن فيه، الذي كان يعج بالمارة والجيران، كان خاليا ومخيفا، وبدا لي وكأنني تركته منذ مئة عام”.
وأضاف: “حدثني أحد الجيران القليلين المتبقين في الحي عن أنه فقد الأمل في البقاء، لكنه لا يدري أين ستكون وجهته”.