الخبير موسى الصبيحي
طالب الكاتب عصام قضماني في مقاله في الرأي بتاريخ 23-9-2025 المعنون: (ما هو المطلوب من الضمان.؟) طالب مؤسسة الضمان بثلاثة أمور:
١- رفع سن التقاعد لما بعد الستين.
٢- إلغاء التقاعد المبكر أو تقليصه.
٣- محاصرة العجز “المعلولية”.
وهنا أود أن أبيّن للكاتب القضماني وللقرّاء الكرام ما يلي:
أولاً: أتفق جزئياً مع الكاتب فيما يتعلق بعبء التقاعد المبكر على مؤسسة الضمان، لكنّ هذا العبء لم يكن ناتجاً عن وجود نصوص قانونية في قانون الضمان تجيز التقاعد المبكر، بقدر ما هو ناتج عن إساءة استغلال ذلك من قِبَل أصحاب العمل وعلى رأسهم المؤسسات الحكومية والعامة، نتيجة وضع نص قديم في نظام الخدمة المدنية، وإعادة نسخ النص ذاته في نظام إدارة الموارد البشرية في القطاع العام يسمح بإنهاء خدمات الموظف المستكمل لشروط التقاعد المبكر دون طلبه. مما أخرجَ عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام على التقاعد المبكر دون طلبهم أو رغبتهم، وارتفعت وتيرة هذه التقاعدات بصورة كبيرة خلال السنوات السبع الماضية ولا تزال، وكان يفترض بالأخ قضماني أن يضغط باتجاه أن تتوقف الحكومة عن هذا السلوك، وتوقف إحالات موظفيها على التقاعد المبكر قسراً، وحصرها فقط برغبة الموظف وبناءً على طلبه. ولنتأمل بالأرقام التي أُورِدها في البنود اللاحقة.
ثانياً: خرج على التقاعد المبكر خلال العام 2024 الماضي ( 22500 ) متقاعد جديد، من ضمنهم ( 14987 ) متقاعداً جاءوا من القطاع العام وحده أي بنسبة ( 67% ) من إجمالي متقاعدي المبكر الجدد خلال العام المذكور.
ثالثاً: بلغ عدد متقاعدي القطاع العام الجدد خلال العام 2024 من كل أنواع رواتب التقاعد ورواتب الاعتلال ( 19246 ) متقاعداً ويشكّلون حوالي ( 59% ) من إجمالي متقاعدي الضمان الجدد خلال العام الماضي من كل أنواع رواتب التقاعد والاعتلال.
رابعاً: شكّل متقاعدو المبكر من القطاع العام ما نسبته ( 77.9% ) من عدد متقاعدي القطاع العام من كل أنواع رواتب التقاعد والاعتلال فيما كانت نسبة متقاعدي الشيخوخة من القطاع العام ( 16.8 % ) فقط من متقاعدي هذا القطاع بكل أنواع رواتب التقاعد والاعتلال، وبذلك تتضح الصورة بجلاء بأن المشكلة لا تكمن في تقاعد الشيخوخة (سن الستين للذكور وسن الخامسة والخمسين للإناث) وإنما في سياسة الإفراط في الإحالة على التقاعد المبكر لموظفي القطاع العام.
خامساً: فيما يتعلق بعدد متقاعدي المبكر تراكمياً لكل القطاعات فقد بلغ عددهم حتى تاريخه حوالي (200) ألف متقاعد، والنسبة الأكبر منهم من القطاع العام ( 86 ألف متقاعد) بنسبة (43%)، ثم من القطاع الخاص ( 72 ألف متقاعد) بنسبة ( 36 % )، ثم من مشتركي الاختياري ( 35 ألف متقاعد) بنسبة ( 17.5%). مما يدلّل أن المشكلة الأكبر في ممارسات القطاع العام تجاه التقاعد المبكر التي فاقمت العبء على مؤسسة الضمان ومركزها المالي.
سادساً: إذا كنت أتفق مع الكاتب القضماني بأن التقاعد المبكر المُفرِط يسهم في رفع معدلات البطالة، وهو ما كنتُ كتبته غير مرة، فإنني في المقابل أقول بأن رفع سن تقاعد الشيخوخة لما بعد الستين للذكور ولما بعد الخامسة والخمسين للإناث الذي يطالب به قضماني سوف يشعل معدّلات البطالة بلا حدود في المجتمع، هذا جانب لا يمكن الوقوف في وجه آثاره الضارّة. ومن جانب آخر، فهناك فلسفة للحماية الاجتماعية التي يقوم عليه نظام الضمان الاجتماعي تقول بأنه ليس من الإنصاف أن نصل بالفرد إلى مرحلة يصبح فيها صغير السن على التقاعد وفي نفس الوقت كبير السن على العمل. ولتوضيح ذلك؛ قد يصل مشترك الضمان إلى سن (60) مثلاً ولديه ( 500) اشتراك بالضمان، أي “41” سنة اشتراك، ويفقد عمله، ولا يجد فرصة عمل للالتحاق بها، ولا هو مستكمل لشروط التقاعد في حال تم رفع سن التقاعد إلى ما بعد الستين، ربما إلى 63 او 65 مثلاً.. فأين يذهب مثل هذا الفرد وقد فقَدَ مصدر دخله الوحيد..؟؟؟ والامر نفسه ينطبق في حال إلغاء التقاعد المبكر بصورة نهائية، فأنا لا اتفق مع إلغائه قط في المرحلة التي يعاني فيها العامل من عدم الاستقرار في سوق العمل، والدليل حالات الانقطاع الكثيرة عن العمل وانتهاء الخدمة ولجوء المؤمّن عليهم إلى الاستفادة من بدل التعطل عن العمل كما تُظهر أرقام وبيانات الضمان.
سابعاً: يدعو الكاتب القضماني إلى محاصرة “المعلولية” أو ما يسمى في مصطلح الضمان راتب اعتلال العجز، وأظنه يعني الاعتلال الطبيعي وليس الناتج عن حوادث وإصابات العمل، وانا لا أدري كيف ولماذا يعتقد الكاتب بأن رواتب اعتلال العجز تشكّل عبئاً على الضمان.؟ وللدلالة على ما أقول فقد ظلت معدلات الحاصلين على رواتب اعتلال العجز الطبيعي على مدار الخمسة والأربعين عاماً من عمر الضمان في حدودها الدنيا، والمتوسط العام السنوي حوالي ( 628 ) متقاعد اعتلال طبيعي في السنة. وقد بلغ العدد التراكمي لمتقاعد اعتلال العجز الطبيعي الدائم ( 28267 ) متقاعداً حتى نهاية العام 2024. وهو رقم لا يشكل أي عبء مالي على مؤسسة الضمان لا سيما وأن متوسط رواتب العجز الطبيعي هي من أقل متوسطات الرواتب التقاعدية الأخرى (322 دينار) وثاني أقل متوسط بعد رواتب اعتلال العجز الإصابي، فيما المتوسط العام لجميع أنواع رواتب التقاعد ورواتب الاعتلال بلغ ( 497 ) ديناراً. كما أن اللجان الطبية المختصة لدى الضمان تتشدّد في موضوع إقرار حالة عجز المؤمّن عليه. وربما كان بعض هذا التشدّد زائداً. كما أود أن أحيط الكاتب علماً بأن قانون الضمان لا ينص على موضوع العجز الجسيم (المعلولية) التي تضاف إلى راتب التقاعد العادي، وإنما هناك راتب اعتلال عجز طبيعي كلي أو جزئي فقط.
ثامناً: فيما يتعلق بما يقوله قضماني عن الاستثمار عبر الإقراض الحكومي (سندات وأذونات خزينة وقروض مباشرة) والتي تستحوذ حالياً على ما يقرب من ( 63% ) من موجودات الضمان، وأنه أفضل استثمار، فأنا أدعوه للمرة الثانية وربما الثالثة أن يقرأ الدراسات الإكتوارية للضمان، ليعرف كم معدل العائد المطلوب على استثمار أموال الضمان للمحافظة على توازن واستدامة الوضع المالي لنظام المؤسسة التأميني. أما قصة أن الحكومة هي الضامنة لأموال الضمان، فقد أوضحتها قانونياً وفنيّاً أكثر من مرة، وعلى الكاتب المحترم أن يبحث عن هذه التوضيحات لتتجلى أمامه الصورة بوضوح تام.
أما ما المطلوب من الضمان.؟
مطلوب الكثير وسآتيكم به لاحقاً إن شاء الله لتظل مؤسسة الضمان الشجرة الباسقة المعطاءة المثمرة على امتداد الأجيال.