هيئة الاعتماد… قرارات ارتجالية أم رؤية إصلاحية؟

10 دقائق ago
هيئة الاعتماد… قرارات ارتجالية أم رؤية إصلاحية؟

بقلم: مصطفى محمد عيروط

هيئة الاعتماد وضمان الجودة التي يُفترض أن تكون الحارس الأمين على سمعة الجامعات وجودة التعليم، أعلنت في 25 آب 2025 عبر رئيسها قرارًا يسمح بتعيين “خبراء ممارسين” بنسبة تصل إلى 30% في الجامعات. القرار في ظاهره يبدو إصلاحياً، لكنه في جوهره يثير مخاوف جدية ويطرح تساؤلات كبيرة حول نوايا الهيئة وعمق رؤيتها.

الهيئة التي عليها أن تحمي معايير التعليم العالي وتمنع الانزلاق نحو الشعبوية الأكاديمية، بدت وكأنها تستجيب لرغبات جامعات خاصة هرولت لإطلاق تخصصات مهنية وتطبيقية جديدة دون امتلاك الكفاءات التدريسية المؤهلة. بعض هذه الجامعات – كما يُتداول في الميدان – لجأت إلى تغيير أسماء تخصصاتها والالتفاف على القوانين، بغرض تحقيق رسوم أعلى وأرباح أكبر. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل مهمة الهيئة أن تفتح لهم منفذًا جديدًا بدل أن تغلق أبواب التحايل وتضبط الفوضى؟

الأخطر أن القرار لم يحدد بدقة من هو “الخبير الممارس”. هل يكفي أن يكون حامل بكالوريوس مع شهادة خبرة غامضة ليقف أمام مئات الطلبة؟ وهل من المنطقي أن يتحول هذا الباب إلى وسيلة لتعيين موظفين بضغط اجتماعي أو لمتنفذين أو جماعات ضغط؟ في هذه الحالة لن يكون القرار إصلاحياً بل منفذاً لتخريب التعليم الجامعي وإضعاف هيبته.

ما يزيد الطين بلة أن الجامعات والهيئة معاً لم يجروا أي دراسة وطنية أو عربية أو دولية جادة عن سوق العمل قبل إعلان تخصصات جديدة أو فتح باب تعيينات شكلية. والنتيجة المتوقعة أن نقع مجددًا في فخ إنتاج بطالة جديدة تحت مسمى “مهنية وتطبيقية”، كما حصل سابقًا في تخصصات الطب والصيدلة والهندسة.

كما أن القرار أغفل وجود مخزون من الكفاءات الوطنية من دكاترة وخبراء في الخدمة المدنية، يحملون خبرات طويلة ودرجات علمية عليا، وهم أولى بأن يُستفاد منهم. كيف يتم تجاوزهم وفتح المجال أمام حلول ملتوية؟ وكيف يُستغنى عن أساتذة في السبعين من العمر ما زالوا بصحة جيدة وبعطاء أكاديمي مميز، في حين يُفتح الباب على مصراعيه أمام “خبراء” مجهولي المؤهلات؟ إن المفارقة أن النظام يستبعد أستاذاً متمرساً بدعوى بلوغه سن السبعين، بينما يقبل بخبير بكالوريوس لتدريس طلبة بكالوريوس!

المؤلم أكثر أن مثل هذه القرارات تُطبخ في غرف مغلقة وتُعرض على شكل إنجازات، بينما في الميدان يسود القلق والتخوف. النقد في الصالونات المغلقة يتحول إلى جلد للذات، والمطلوب أن تستمع الهيئة مباشرة لآراء الميدان وتوثقها وتجعلها أساس أي قرار.

قد يكون حسن الظن بالهيئة أنها تريد الإصلاح، لكن سوء التخطيط والارتجال يفتحان أبواب الفوضى. إذا كانت الغاية فعلاً تطوير التعليم العالي، فالأولى رفع سن التقاعد الأكاديمي إلى 75 عامًا للاستفادة من الأساتذة ذوي الخبرة، والاستعانة بالخبراء الممارسين في التدريب العملي لا في قاعات التدريس، وضبط التعيينات بتشريعات صارمة تضمن الجودة وتغلق أبواب التحايل.

التعليم العالي ليس ساحة للتجارب ولا ميداناً للترضيات الاجتماعية. إنه العمود الفقري للدولة، وأي قرار مرتجل سيكلفنا كثيرًا، ليس فقط اليوم بل لعقود مقبلة.