إسبانيا… حين ينتصر صوت الضمير على ضجيج المصالح

25 ثانية ago
إسبانيا… حين ينتصر صوت الضمير على ضجيج المصالح

محمد جميل الخطيب
في زمن تتصاعد فيه صرخات الأطفال من تحت الركام، وتُكمم فيه أفواه الإنسانية أمام صفقات السلاح والمصالح الجيوسياسية، تخرج إسبانيا لتقول: “كفى”.
القرار التاريخي الذي أعلنه رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، بفرض عقوبات شاملة من تسع مواد على إسرائيل، ليس مجرد خطوة سياسية، بل هو موقف إنساني وأخلاقي نادر في مشهد عالمي مرتبك ومتخاذل.
سانشيز قالها بوضوح وشجاعة: ما تفعله إسرائيل في غزة ليس دفاعاً، بل تدميراً لشعب أعزل”.
هذا الوضوح في تسمية الأشياء بأسمائها، في وقت تخشى فيه العديد من الحكومات النطق بالحقيقة، هو بحد ذاته عمل مقاومة للظلم، وتحدٍّ لهيمنة الرواية المزيفة التي تبرر المجازر تحت مسمى “حق الدفاع”.
القرارات ليست رمزية، بل ضاغطة وفعالة، فالعقوبات التي أقرتها مدريد لم تكن سطحية أو شكلية، بل جوهرية وجريئة، تبدأ من حظر كامل ونهائي على بيع وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية مع إسرائيل، منع السفن الحربية والطائرات التي تخدم الآلة العسكرية الإسرائيلية من استخدام الموانئ والمجال الجوي الإسباني، حظر دخول المتورطين في جرائم الحرب في غزة إلى الأراضي الإسبانية. كما شملت العقوبات مقاطعة المنتجات القادمة من المستوطنات غير الشرعية، دعم مضاعف للمساعدات الإنسانية إلى غزة والأونروا، تعزيز التمثيل الدبلوماسي في نقاط العبور والمساعدات.
هذه الإجراءات تمثل تحولًا نوعيا في كيفية تعاطي دولة أوروبية مع الجرائم المستمرة التي تُرتكب بحق الشعب الفلسطيني. فاسبانيا اليوم، ليست فقط دولة متضامنة، بل صوت صارخ ضد التواطؤ الدولي، الذي لم يقدّم للفلسطينيين سوى بيانات شجب باردة ووعود جوفاء. لقد انتقلت من مربع “القلق العميق” إلى فعل ملموس على الأرض.
ورغم الاتهامات الإسرائيلية بمحاولة “تشتيت الأنظار عن فضائح داخلية” أو “معاداة السامية”، بقي موقف الحكومة الإسبانية ثابتا وصلبا، مؤكدة أن معاداة السامية لا تعني الصمت على الإبادة الجماعية، ولا تبرر القتل المنهجي لأكثر من (64) ألف مدني، معظمهم أطفال ونساء، وفق معطيات الأمم المتحدة.
إن ما قامت به إسبانيا يجب أن يكون قدوة لباقي حكومات العالم، وخاصة الدول الأوروبية التي لطالما تغنّت بشعارات حقوق الإنسان والعدالة الدولية.
لا يكفي التعبير عن “القلق”، ولا جدوى من دعوات وقف إطلاق النار بينما تُشحن السفن بالطائرات والدبابات إلى الاحتلال.
اليوم، يقف العالم أمام امتحان أخلاقي حقيقي: إما أن يصطف إلى جانب العدالة، أو أن يُسجل في صفحات التاريخ كشريك في المجازر.
ختاما، إسبانيا لم توقف الحرب، لكنها أعادت إحياء الأمل بأن الضمير الإنساني لم يمت تماما.
وفي ظل استمرار الإبادة، فإن كل دقيقة من الصمت الدولي تُكلّف حياة إنسان بريء في غزة.
لذلك، دعونا نرفع الصوت عاليا: شكرا إسبانيا… ولتكن هذه البداية. وليتحرك العالم قبل أن يُكتب عليه عار الصمت الأبدي.