بقلم: الدكتوره هند جمال فالح الضمور رئيسة قسم الشؤون النسائية الكرك
أيها الأحبّة… السجود ليس مجرّد هيئة في الصلاة، ولا حركةً من حركات الجسد، بل هو سرّ عظيم من أسرار العبودية، وموضع القرب من الله جلّ وعلا. فيه يضع المسلم أعز أعضائه على أدنى ما في الأرض، وكأنّه يعلن لله خضوعه وذلّه، ويعترف أن الكبرياء لا يليق إلا بجلاله سبحانه.
في السجود يذلّ العبد لمولاه، ويرتفع قدره عنده. فيه يُذلّ الشيطان ويُهان، ذاك الذي أُمر بالسجود فأبى، فإذا سجد ابن آدم تقهقر عدوّه باكيًا حزينًا، يرى رفعة الساجد في مراتب الطاعة، ومهانته هو في دركات العصيان.
ولقد قال النبي ﷺ: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء». فما أعظمها لحظة! لحظة صفاءٍ وصدق، تُرفع فيها الحجب، وتفتح فيها أبواب السماء، فيناجي العبد ربّه بكلمة صادقة أو دمعة منكسرة، فيجد السكينة في قلبه، والطمأنينة في روحه.
بل إن السجود رفعة في الدرجات، ومغفرة للزلات، فقد أوصى رسول الله ﷺ ثوبان مولاه قائلاً: «عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحطّ عنك بها خطيئة». فكل سجدة نور، وكل انحناءة على الأرض علوّ في السماء.
فما أروع أن نغرس جباهنا في التراب تواضعًا لله، لنخرج من السجود ونحن أرقّ قلوبًا، وأطهر نفوسًا، وأقرب إلى رحمة ربّنا ورضوانه. نعم… في السجود تهمس في أذن الأرض فيسمعك من في السماء، وتلقي ضعفك على التراب فيرفعك الله مقامًا عنده.