بقلم الدكتور قاسم جميل العمرو
تدور نقاشات عميقة ومتعددة عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول الإصلاح السياسي والديمقراطية يتبنى خلالها مثقفون وابعض المتطفلون آراءً وافكاراً مهمة بعيدا عن السياقات الموضوعية والواقعية التي تمر بها المجتمعات العربية التي تأصلت فيها ممارسات غير حميدة مثل الفساد والنفاق والجهل وعدم الايمان بالحوار بل الايمان بفكرة المغالبة “انا على صح وغيري على باطل” وغياب المساءلة وتغييب سيادة القانون في حالات كثيرة، وعدم التفريق في كثير من النقاشات بين جوهر الديمقراطية والغاية منها، فيغوص المتحاورون في تشعبات كثيرة لا توصل الى نهايات مقبولة.
جميعنا يدرك ان مفهوم الديمقراطية مر بمراحل متدرجة بدأت بـ “الماجنا كارتا” في عهد الملك جون قبل تسعة قرون، ولم تنتهي بأفكار روسو، الى ان استوى المفهوم حديثا الى فكرة سيادة القانون وتداول السلطة بشكل سلمي عن طريق صناديق الاقتراع وهذا ما يطلق عليه فوز الأغلبية ويتقبله الخاسر؛ ويمارس الفائز السلطة ضمن مدة محدودة ومعروفة ومحمية بموجب الدستور، اذ لا يجوز تجاوزها باي حال من الأحوال مهما بلغت التعقيدات، وفي الديمقراطية تمارس المؤسسات العسكرية والأمنية دوراً محدداً هو حماية الدستور شكلا ومضمونا دون التدخل او التأثير على أي طرف ..(العسكر محايدون) ووظيفتهم واضحة ، فيحسب الطامعون في السلطة والفوضويون وتجار المصالح الف حساب لذلك.
لو حاولنا الاستفادة من هذا الطرح في إطار الحديث الملكي عن الإصلاح من خلال قانون أحزاب وقانون انتخاب فإن المسألة ستتعرض للتعقيد وتتدخل قوى الشد العكسي وتخرج المسالة من إطارها الصحيح وتدخلها في متاهات وزوايا حتى تُظهر فشلها او عدم انسجامها مع الثقافة السائدة، ثم تبدأ بخنقها حتى تموت.
الطريق الأقصر والاصلح لاختصار المشهد والوصول الى نتائج بأقل زمن تبدا بقرارات حاسمة يتفهمها الشعب، وهو ما ورد في العنوان نريد “ماجنا كارتا” بإرادة ملكية واضحة وثابتة حتى نحميها من التدمير، من خلال إعادة صياغة منظومة التشريعات بمجملها المتعلقة بصيانة المال العام والضرائب والجمارك وقانون من أين لك هذا؟، ووضع قوانين انتخاب وأحزاب تخضع لنقاشات تشارك فيها كل القوى السياسية والفكرية للخروج بتصور يمكن قبوله، والاهم من ذلك إيجاد قانون من أين لك هذا؟ من أجل استرداد ولو جزء بسيط من المال العام المنهوب بشتى الطرق، وان يطبق على الجميع، ومن ثم العمل على إجراء انتخابات ديمقراطية على أساس حزبي برامجي في اطار الثوابت الوطنية المتفق عليها.
هذه المرحلة الانتقالية تتطلب الاستفادة من مجلس النواب الحالي بإعادة فرمتة منظومة التشريع ونسفها وتنقيتها من كل الثغرات يتبعها مرحلة جديدة انتقالية لخلق قناعة لدى الناس لتقبل الواقع الجديد بان هناك إنجازات في تحسين الخدمات وصيانة المال العام وهذه الفترة الانتقالية قد لا تتعدى سنتين ثم تجري انتخابات برلمانية بعدها؛ يمارس فيها النواب دورهم التشريعي الوطني مبتعدين عن المتاجرة بعواطف الناس ومشاعرهم بل يعملون ضمن برامج انتخبوا على أساسها. وهنا استطيع القول بان الحكم هو فن اقناع الشعب وجعلهم يطيعون ذلك برضاهم من خلال تعزيز ثقتهم بمؤسساته.
*أستاذ العلوم السياسية والتربية الوطنية جامعة البترا
* ناشر موقع وطنا اليوم الاخباري