بقلم ماجد ابو رمان
عندما كان في المنصب كتبت عنه وبعد لقاء مع الكتاب في المجال السياسي كتبت مقال عنوانه “كذبك حلو”وهو عنوان لأغنية غنتها مياده بسيلس.
وها نحن اليوم كلما توهّمنا أن “الدغري” انتهى مع أفلام الأبيض والأسود، يطلّ علينا من جديد بربطة عنق أنيقة وحكايات أعجب من الخيال.
الحقيقة أن “الدغري” لا يموت، لأنه ليس مجرد شخصية أداها دريد لحام، بل فيروس اجتماعي يتكيّف مع كل عصر ويعيد إنتاج نفسه بوجه جديد.
اليوم، تجده على شاشة السياسة يتشدّق بالشعارات، وفي الإعلام على بودكاست يقوده دغري صغير يوزّع دروس الوطنية، و ستجده لاحقآ في التجارة يبيع لك الوهم مع فاتورة، و قد يكون قريباً في “اللايفات” و حتى”الريلز” هناك يرقص الدغري على أنغام الأكاذيب. يتغير ديكوره، لكن بضاعته تبقى هي هي: كلام منمّق، فارغ من المضمون.
المصيبة أن “الدغري” لا يكتفي بالكذب، بل يسطو على بطولات غيره، يحكي قصصًا لم يعشها، وينسب لنفسه مواقف وقفها رجال أُقصوا أو ماتوا. وبما أن الأبطال الحقيقيين غاب صوتهم، يملأ هو الفراغ ويجلس على عرش الحكاية مثل بطلٍ ورقيّ.
والأدهى من ذلك، أنه يتناسى أو يتناسى عمدًا أنه حين كان في المنصب كان سببًا في تعميق جوع الناس، وتفاقم الفقر، وارتفاع البطالة. كل ذلك نتيجة سياسات عرجاء انتهجها، ثم ترك الناس يواجهون قسوة الواقع وحدهم، بينما خرج هو من الباب الخلفي ليرتدي ثوب الناصح الحكيم.
لعلي لم أخطئ عندما كتبت له ما غنّت ميادة بسيليس: “كذبك حلو” … لكنني أضيف اليوم أن حلاوة الكذب لا تُشبع جائعًا ولا تحرر وطنًا. الحقيقة أقسى من أن تُزيَّن، لكنها الوحيدة التي تعيش بعد أن ينفضّ المسرح ويطفأ الضوء.
سيظل “الدغري” يسرح ويمرح، ما دام الجمهور يصفّق له بدل أن يحاسبه. فالكذب لا يعيش إلا بوقود التصفيق، أما حين تصمت الأيادي… عندها فقط يسقط “الدغري” ويموت.