بقلم: د. سعيد محمد ابو رحمه
فلسطين ـ غزة
منذ تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، اختار الأردن أن يكون إلى جانب القضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. لم تكن هذه المواقف رهينة لحسابات سياسية ضيقة، بل كانت نابعة من التزام تاريخي، وهوية قومية، ومبادئ لا تتغير بتغير الظروف. واليوم، وبينما تتعرض غزة لأبشع صور الحصار والمجاعة والدمار، يثبت الأردن من جديد أنه الأقرب نبضًا، والأكثر تحركًا، رغم الضغوط والمخاطر.
فلم تكتفِ المملكة بالتصريحات والمواقف، بل فعّلت أدواتها الدبلوماسية، وأطلقت جسرًا جويًا وبريًا من المساعدات، وقدّمت الرعاية الطبية للمصابين، وأقامت المستشفى الميداني في غزة رغم القصف المستمر. طواقم طبية أردنية تعمل تحت الخطر، وتقدم العلاج لآلاف المرضى، في صمت ونبل، دون عدسات أو ضجيج.
ومع ذلك، تظهر بين الحين والآخر أصوات تُشكك وتُحرّف، وتُهاجم الدور الأردني لأغراض سياسية أو إعلامية. هذه الحملات ليست سوى محاولات بائسة لتقزيم الحقيقة وتزوير الوعي. لكن الوعي الجمعي الفلسطيني والعربي يعرف جيدًا من ظل وفيًا للقضية، ومن تاجر بها.
إن جلالة الملك عبد الله الثاني لم يتردد يومًا في وضع القضية الفلسطينية في قلب تحركاته الدبلوماسية. من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، حمل صوْت غزة والقدس، مطالبًا بحق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة. بل وذهب أبعد من ذلك، حين رفض الضغوط الدولية للتنازل عن الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس، مؤكدًا أن هذه ليست مسؤولية سياسية فقط، بل شرف تاريخي لا يُفرّط فيه.
فالأردن اليوم، ليس مجرد داعم لفلسطين، بل هو صمام أمان للمنطقة. بحكمته واتزانه، منع انفجارات إقليمية، واحتضن اللاجئين، واستضاف طاولات الحوار، ورفض الانجرار نحو التوظيف الطائفي أو المحاور المتصارعة. تلك المكانة لم تأتِ من فراغ، بل من سياسة ثابتة وشعب واعٍ يعرف أن الموقف أبلغ من الكلام.
الأردن لا ينتظر شهادة حسن سلوك من أحد. تاريخه يتحدث، وأفعاله تشهد، ومبادئه لا تباع ولا تُقايَض. من أراد أن يعرف قيمة هذا الوطن، فلينظر إلى يدٍ امتدت في زمن القطيعة، وإلى مستشفى ضمد جراح غزة حين تخلى كثيرون، وإلى دبلوماسية رفضت الخنوع، وتمسكت بالحق.
الأردن، بكل بساطة، وطن لا يخذل، ولا يُخذل