رسالة إلى السيدة فيروز

3 أغسطس 2025
رسالة إلى السيدة فيروز

لا أكتب إليكِ معزيا بصفتي الرسمية، بل بما تحمله الثقافة من وجعٍ وحنين، وأسئلة. منذ “سألوني الناس” إلى اليوم وهم يسألون: كيف لصوت امرأةٍ أن يكون وطناً؟ وكيف نعزي الوطن؟

إن صوتكِ يا سيدتي لم يكن يومًا مجرد غناء، بل كان تربية وجدانية لجيلٍ كامل، وشريكًا في الوجع القومي، ومواساةً في عتمات الحرب، واحتفالًا في صباحات النصر “راجعين يا هوى”.

أنتِ من جعل من القصيدة بيتًا دافئًا، ومن اللحن جسراً إلى الذاكرة، ومن المسرح محراباً للأمل. فكيف نواسي وأنتِ التي أخرجتِ معاني التجمّل من قواميس الشمس.

فيروز، لم تغنِ دمشق فقط، بل لبستها كما تُلبَس القصائد العظيمةُ أثواباً من ضوء. فيروز التي سمع العالم صوتها لأول مرة من أثير “إذاعة دمشق”، وصدحت بأغانيها العظيمة من أرض “معرض دمشق الدولي”؛ “شآمُ ما المجد أنت المجد لم يغب”، “شآم أهلوك أحبابي”، “يا شامُ يا شامة الدنيا ووردتها يا من بحسنكِ أوجعتِ الأزاميلا”.

ومن “زهرة المدائن” إلى “غنّيتُ مكّة” إلى “بحبك يا لبنان”، كنتِ سفيرةً حقيقيةً للوجدان العربي، حين خانته السياسة وانقسمت عليه الجغرافيا.

إن وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، وهي تسعى إلى ترميم ما صدّعته السنوات، تُدرك أن لا نهضة من غير أن تعود الأمة إلى أصالتها، وأنتِ عمود من أعمدة هذه الأصالة لأن فيروز لم تكن مطربة، بل كانت رؤية.

أعزيكِ ونحن الذين بصوتك نتعزى. أدعو لكِ بالصحة وطول العمر، وأؤكد أن سوريا ما زالت تحفظ لكِ مقام المحبة والإكبار، وتشتاق إليكِ كما تشتاق البلاد إلى المطر.

أعزّيكِ بفقيدك الذي قدّم للموسيقى العربية، محدّثاً ومجدّداً جريئاً، وإن اختلفت بيننا وبينه المواقف السياسية وتباينت الرؤى الإنسانية.

من دمشق، مدينة الروح، ومن كل سوري وسوريةٍ غنّوا معكِ “سوا ربينا” وهم يضحكون ويبكون،
لكِ خالص العزاء،
وكل الحبّ

محمد ياسين الصالح
وزير الثقافة