بقلم هشام بن ثبيت العمرو
في مشهدٍ لو رأيناه في مسرحٍ عبثي لقلنا إنه إسفاف درامي، خرجت جماعة الإخوان المسلمين بمسيرة صاخبة من قلب تل أبيب، يزعمون أنها تضامنٌ مع غزة. لكنها في حقيقتها، كانت حفلة طعن في ظهر القاهرة، بإخراج إسرائيلي وإنتاج إخواني مشترك، وإخراج إعلامي مُحكم. لم تُرفع شعارات المسيرة في وجه القاتل الحقيقي، بل صُوّبت بكل وقاحة إلى مصر، وكأنها هي من قصف البيوت، لا الطائرات الإسرائيلية. مشهد لا يمكن أن يُفهم إلا كتحالف قذر، تلاقى فيه الشعار الديني الزائف مع مخطط تل أبيب السياسي.
هنا لا بد من سؤال يُشبه صفعة للوجه: أين كان الإخوان طيلة 22 شهرًا من المجازر المستمرة في غزة؟ أين كانت حناجرهم حين كانت أحياء غزة تُدفن تحت الركام؟ أين كانت مظاهراتهم، واعتصاماتهم، وهتافاتهم التي يعرفون كيف يفبركونها؟ لماذا لم نرَهم في الشوارع إلا بعد قرابة عامين، ليتحركوا أخيرًا… لا ضد الكيان، بل ضد القاهرة؟ مفارقة قذرة لا يمكن تفسيرها إلا بخيانة متعمّدة، اختار فيها التنظيم توقيتًا دقيقًا، ليكون أول هتاف له بعد صمت طويل، موجّهًا إلى مصر، وبموافقة إسرائيلية لم تعد حتى تُخفي نفسها.
ما حدث لم يكن لحظة انفلات عاطفي، بل كان فعلًا سياسيًا محسوبًا، ومُنسقًا بدقة في إطار تحالف خفيّ أصبح اليوم مكشوفًا: إخوان، حماس، إيران، تركيا، وتل أبيب. تحالف يشتغل على تفكيك الجبهة الداخلية لمصر والأردن، ويُغلف خيانته بغلاف الدين والقضية. لكن ما عاد هذا الغلاف يخدع أحدًا، ولا عاد شعار “نصرة غزة” يُجدي حين يُرفَع في شوارع العدو.
فهل ننسى خيانة الإخوان في مصر، حين تحالفوا مع الحرس الثوري، وفتحوا أبواب سيناء لتهريب السلاح، وتواطؤوا في محاولات قتل الجيش المصري؟ هل نغضّ الطرف عن مكالمات التنسيق، وخطط تحويل سيناء إلى ولاية حماسية؟ هل نسينا محاولاتهم تسليم القرار السياسي المصري مقابل كرسي في مكتب الإرشاد؟ أما الأردن، فطالما كان على لائحة مشروعهم الظلامي، عبر خلاياهم التي تسللت إلى النقابات والمساجد والجامعات، تروّج للشك وتضرب الثقة بين المواطن والدولة، باسم “الإصلاح”، وهو منهم براء.
حتى رائد صلاح، الذي لطالما خدع الناس بلبوس “الشيخ المقاوم”، ظهر في هذه المسرحية الرديئة، ككومبارس صغير في عرض تافه. لم يعد ذلك الرمز الموهوم، بل أداة مأجورة تنفذ التعليمات كموظف خنوع في شركة الخيانة الدولية، يقف في تل أبيب لا ليهاجم القاتل، بل ليهاجم القاهرة، وكأن القدس تُحرّر عبر التحريض على مصر.
أما حماس، فدورها بات فاضحًا. لم تعد تتحدث عن الاحتلال إلا بخجل، بينما تُخصّص قنواتها للهجوم على مصر والأردن ليلًا ونهارًا. تصمت عن إسرائيل عندما تأمرها طهران، وتنطق بالفتنة حين يُصفّر أردوغان. من يتابع خطابهم يعرف تمامًا أنهم لا يقاتلون من أجل فلسطين، بل يقتاتون على جراحها، ويستثمرون في أنقاضها، لأجل مشروع التنظيم، لا الوطن.
فماذا تبقّى من قناع المقاومة؟ لقد سقط. لم تعُد القضية تُرفع في وجوه العدو، بل تُستَخدم كسلاح ضد الشقيق. نحن أمام مشهد معكوس وممسوخ، يهتف فيه الإخوان ضد مصر في تل أبيب، ويصمتون أمام مجازر الاحتلال في غزة. هل يمكن تخيّل خيانة أوضح من هذا؟ أي قاع سياسي وأخلاقي هذا الذي هبطوا إليه؟!
الإخوان لم يكونوا يومًا من الأمة، بل دائمًا فوقها، ضدها، يتلوّنون كالحرباء، ويغرسون الفتنة باسم الشريعة حينًا، وباسم فلسطين حينًا آخر، حتى باتت فلسطين نفسها تتبرّأ من دعايتهم الرخيصة. إن دماء غزة لا تُغسل بخطابات مشبوهة في تل أبيب، ولا تُطهّر بهجوم على مصر، ولا تُبرّر بخيانات تُرتكب باسم المقاومة.
أنتم لستم مقاومة. أنتم مقاومون للحقيقة، أعداء للمرايا، لأن كل مرآة ستُريكم وجه الخائن لا المقاوم.
وإن قلتم إنكم خرجتم لنصرة غزة، فنقول: بل خرجتم حين انتهى الدور، ولعبتم حين صفّق لكم المحتل، وتحدثتم حين أُعطيَ لكم الإذن… وكانت بوصلتكم القاهرة، لا القدس.