نحو مصالحة وطنية شاملة

48 ثانية ago
نحو مصالحة وطنية شاملة

د. هاني العدوان

إن ثبات الأردن ورسوخه أمام رياح التغيير التي تعصف بمنطقتنا والعالم مستندا إلى حكمة قيادته ووعي أهله النشامى، لا يعني غياب التحديات الماثلة، بل يستدعي وعيا جمعيا ومراجعة عميقة لمسارنا الوطني
لقد خطت المملكة الأردنية الهاشمية، مستنيرة بتوجيهات مليكها السامية ورؤاه النيرة، خطوات واثقة نحو تحديث شامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وقد تجسدت هذه الرؤى في أوراق النقاش الملكية الملهمة، وبلغت أوجها بتشكيل لجنة التحديث السياسي التي عكست طموحات شعبنا الأبي في رؤية وطنه عزيزا آمنا مستقرا في كل جوانبه
إلا أن تحقيق هذه الآمال الكبيرة يتطلب منا جميعا، حكومة وأحزابا ومؤسسات مجتمع مدني، الارتقاء إلى مستوى المسؤولية والعمل بروح الفريق الواحد، متجاوزين أي صعوبات قد تعترض طريقنا
إن أبناء هذا الوطن الغالي يتطلعون بشوق إلى الأمن والاستقرار في ربوعه، وينشدون العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، ويتمنون حياة كريمة تليق بتضحياتهم وولائهم الصادق لهذه الأرض المباركة، وهذا يستدعي منا وقفة جادة لمراجعة قوانيننا وتشريعاتنا بما يضمن تحقيق هذه التطلعات النبيلة، وبشكل لا يثقل كاهل المواطنين أو يولد لديهم الإحباط واليأس
فقوانين مثل قانون الجرائم الإلكترونية وقانون السير، على الرغم من أنها تهدف في الأساس إلى تحقيق النظام، تحتاج إلى تقييم دقيق لمدى تحقيقها لأهدافها وتأثيرها العميق على حياة الناس
انطلاقا من هذه الرؤية الواضحة، تبرز الحاجة الملحة إلى مصالحة وطنية شاملة، تعيد بناء الثقة بين الأردنيين ومؤسسات وطنهم، وتعزز ولاءهم لدولتهم، مصالحة ترسخ أسس الانتماء والولاء، وتزيل أسباب الفرقة والانقسام، وتقوم على مبادئ راسخة من التسامح والعدل والمساواة، وتجسد قيم الديمقراطية الحقيقية التي أرسى دعائمها قادتنا الهاشميون بحكمتهم
إن أنظار الأردنيين تتجه بقلوب مليئة بالرجاء إلى مقام مليكهم ، قائد سفينة وطنهم وبوصلتها الأمينة، وكلهم أمل في مكرمة هاشمية عهدوها من جلالته، تتمثل في عفو ملكي عام يجمع شمل الوطن ويفتح صفحة جديدة مشرقة في تاريخنا، مع مراعاة أمن الوطن وسلامة المجتمع في جوهرها
كما يتطلعون إلى توجيهات ملكية سامية لإعادة صياغة جذرية لعدة قوانين حيوية أولها، قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يستدعي مراجعة عاجلة لتحديد نطاقه بدقة بما يضمن حرية التعبير ويحارب الجرائم بفاعلية دون المساس بالحريات،
كذلك قانون السير
الذي بات يشكل مصدر قلق متزايد بسبب ما يرونه من مبالغة في تغليظ العقوبات، وخاصة الغرامات المالية، على مخالفات يعتبرونها لا تستحق مثل هذه العقوبات المشددة، إذ يرون ضرورة إعادة تقييم هذه العقوبات لتكون أكثر عدالة وتناسبا مع طبيعة المخالفات المرتكبة،وقانون الانتخاب، واستبداله بقانون عصري يضمن تمثيلا عادلا لكافة أطياف المجتمع، ويجرم بشدة استخدام المال غير المشروع في العملية الانتخابية، بما يكفل وصول الكفاءات العلمية والخبرات العملية والطاقات الشبابية لتمثيل قواعدهم الانتخابية تمثيلا لائقا يلبي طموحاتهم، ويسهم بفاعلية في دفع مسيرة الوطن نحو أعلى المراتب بين الأمم، ويتطلعون أيضا إلى توجيهات ملكية سامية لإصلاح شامل لقانون الأحزاب، بما يعزز دور الأحزاب البرامجية ذات القاعدة الشعبية الواسعة، القادرة على المساهمة الجادة في مسيرة التنمية والتقدم
ندرك تمام الإدراك أن هذه المطالب كان الأجدر أن تتبناها الأحزاب السياسية ومجلس النواب، ولكن لعهد الشعب بقائده الحكيم، الذي لطالما أصغى إلى صوته وحقق تطلعاته، يتوجه إلى مليكه، صاحب الرؤية الثاقبة والحكمة البالغة، وبكل أمل أنه سيحقق لأبناء وطنه ما يصبون إليه، فهو نبض قلوبهم وهم أغلى ما يملك

حفظ الله الأردن وقيادته وشعبه الأبي