الأردن في وجه العاصفة: سيوفٌ في السماء، وسُهامُ حقدٍ في الظلام

11 مايو 2025
الأردن في وجه العاصفة: سيوفٌ في السماء، وسُهامُ حقدٍ في الظلام

بقلم: هشام بن ثبيت العمرو

حين تتناثر الحقيقة تحت ركام الكذب، ويعلو صوت الأحقاد في زمن اختلط فيه النبل بالمتاجرة، يخرج الأردن، كما في كل مرّة، وفي كل منعطف من تاريخ الأمة، ليثبت أن العروبة ليست شعارًا، بل موقفٌ وسيف، وأن فلسطين ليست قضية يتناولها المتاجرون على موائد المصالح، بل جرحٌ لا يندمل في القلب الأردني.

لم يكن الأردن يومًا على هامش القضية، بل في صُلبها، مدافعًا، ناصرًا، وفِيًّا للثوابت. فمنذ أولى النكبات، كان الجيش العربي المصطفوي – ابن الثورة العربية الكبرى – أول من سال دمه على ثرى فلسطين، فارتوى التراب المقدس بدماء جنوده، واحتضنت ثرى القدس أجساد الشهداء الأردنيين الذين ارتقوا دفاعًا عن بوابة السماء، ليس بالكلمات، بل بسنابك الخيل ورصاص البنادق. لم تكن معارك اللطرون وباب الواد سوى شواهد خالدة على عقيدة جيشٍ أقسم على الدفاع عن الأرض والمقدسات دون أن ينتظر جزاء أو مديحًا.

واليوم، وبعد مضيّ عقود على تلك الملاحم، لم يبدّل الأردن موقفه، ولم تضعف عزيمته، بل استمر على ذات النهج، حارسًا للمقدسات، ومناصرًا لغزة الجريحة، حتى في زمن الحصار والخذلان. ومع اشتداد العدوان على غزة، خرج الأردن من الصمت إلى الفعل، لا بالتصريحات الرنانة، بل بالطائرات التي شقت عنان السماء، محمّلة بالمساعدات، تمطر الأمل في قلب الحصار. وفي لحظة سيشهد لها التاريخ، أقلع جلالة الملك عبدالله الثاني بنفسه على متن إحدى طائرات سلاح الجو، يرافقه ولي عهده سمو الأمير الحسين بن عبدالله، ليشاركا بأنفسهم في إيصال العون إلى أهل غزة، لا حاكمًا يراقب من خلف الزجاج، بل قائدًا يقتحم الميدان، ويضع روحه قبل قراره، ويقف في رفح كما وقف أسلافه على تخوم القدس.

وحين تكالبت بعض الأبواق الحاقدة، وتطاولت صحيفة “ميدل إيست آي” وغيرها ممن امتهنوا التضليل، وادّعوا كذبًا وافتراءً أن الأردن يتقاضى ثمنًا مقابل إنزالاته الجوية، جاء الردّ من الميدان لا من القاعات، ومن أصدقاء العمل لا من خصوم الموقف. فقد خرجت منظمة “خوم” الماليزية، العاملة في غزة، لتشهد شهادة الحق، وتفند الأكاذيب، وتؤكد أن الأردن لم يأخذ فلسًا ولا شرطًا، بل كان أول الشركاء في الغوث، وأصدقهم فعلًا، وأبعدهم عن المقايضة والمتاجرة. هكذا نطق الميدان، وهكذا سقطت الأقنعة.

وإن من لم يعرف الأردن جيدًا، فليقرأ لاآت الملك الثلاث التي أطلقها في وجه الضغوط والإملاءات، حين قال: لا للوطن البديل، لا للتوطين، لا للتفريط في القدس. كلماتٌ لا يطلقها إلا من حمل القضية في قلبه، وورثها عن آبائه مبدأ لا يُساوَم عليه، ولا يُساوم به. لم يقلها لمخاطبة العواطف، بل ترجمها سياسة وسيادة، وسار بها في المحافل، رغم كلفة الموقف وثقل الثبات.

وفي خضم هذه الحملة الإلكترونية المأجورة، يبقى الأردن كالنخلة، تُرمى بالحجارة فتثمر، ويزداد عزّه كلما حاول الحاقدون النيل منه. فكيف لبلدٍ هذا تاريخه، وذاك قائده، أن يُدان أو يُشوّه؟ كيف لمن كانت رفح شاهدة على عونه، والقدس شاهدة على دمه، أن يُتهم بالخيانة أو البيع؟ إن هذه الحملات لن تُفلح، لأن الكذب لا يغلب الحقيقة إذا رافقها الفعل، ولا تشويه يصمد في وجه قائدٍ يضع قدميه على الأرض لا فوق السجّاد.

سيبقى الأردن وفيًّا، لا يُغيّر بوصلته، ولا يحيد عن ثوابته، وسيمضي كما مضى منذ عهد الجيش العربي المصطفوي، لا ينكسر، لا يلين، ولا يخون. وإن رفعت الألسنة عليه سُحبًا من الزور، فإن التاريخ وحده يُنصف، وهو لا يرحم الكاذبين