هل اتخاذُ القراراتِ علمٌ أمْ فنٌ أمْ مهارةٌ أمْ فهلوةٌ أمْ تنجيم أمْ رمياً بالغيب؟

منذ ساعتين
هل اتخاذُ القراراتِ علمٌ أمْ فنٌ أمْ مهارةٌ أمْ فهلوةٌ أمْ تنجيم أمْ رمياً بالغيب؟
د. عادل يعقوب الشمايله
من المهم الاجابة على هذا التساؤل في جميع الاوقات. ولكنه يكون اكثر اهمية في الاوقات الصعبة والمصيرية. منطقتنا العربية يتم التعامل معها مند ستة قرون على أنها منطقة فراغ سياسي وعسكري، ومنجمٌ يجبُ الاستيلاء عليه ونهبه. 
جغرافيا الوطن العربي هي قلب العالم وعقدة مواصلاته. أضافَ اكتشافُ  النفطُ في الصحاري العربية، الذي تعتمدُ عليه الحضارةُ الماديةُ الحديثةُ اهميةً أُخرى زادت من تحدي الوجود العربي والارادة العربية. 
ولا ننسى انَّ المنطقةَ العربيةَ هي مهدُ الديانات والحضارات وبالنتيجة الساحةَ لصراع البقاء بين الاديان المتنافسة الذي بدأ منذُ اكثرَ من الفي عام ولا زال وسيستمر لأنه لم يُحسم بعد.
لا يعتبرُ القرارُ قراراً الا اذا كانَ اختياراً لبديلٍ من بينِ بدائل. أي أنْ يكونَ  هناكَ بديلٌ واحدٌ على الاقل للبديل الذي تم اختياره. وهذا يعني بالضرورة أنهُ تتمُ التضحيةُ بالبديلِ الذي تم تجنبهُ. 
عندما لا تكونُ هناكَ بدائل او خيارات ممكنة ومتاحة أقلَّ منفعةً او أقلَّ خطورةً او اكثرَ خطورةً “لا يُعدُ التصرفُ الايجابي او السلبي تجاهَ الحالةِ مدار البحث قراراً، بل مُجرَدَ تصرفٍ او ردةَ فعلٍ اجباريةٍ أو تلقائيه.
قرارُ  الحربِ بديلهُ السلم. قرار الصيام بديلهُ الافطار. قرار الزواج بديله العزوبيه…. قرار زراعة البندورة من قبل الفلاح يتطلب التضحية ببدائل كالخيار او الفلفل او القمح او البرسيم مثلا. 
علمُ السياسة هو علم اتخاذ القرارات. وكذلك علمُ الاقتصاد هو علم اتخاذ القرارات. وكذلك الطب وكذلك الهندسة. 
ولكن ذلك لا ينطبق على دراسة التاريخ ودراسة الجغرافيا ودراسة علم الاحياء او دراسة الشعر . 
غيرَ  أنَّ دراسةَ التاريخ ودراسة الجغرافيا تساعدُ  متخذي القرارات السياسية والقرارات العسكرية والقرارات الاقتصادية لاتخاذ قرارات رشيدة.
كذلك الامر بالنسبة لاستفادة الطبيب من علم الاحياء وربما من علم الفيزياء والهندسة. الهندسةُ الطبيةُ هي نتاجُ الطب والاحياء والفيزياء والهندسة. 
عند استخدام اللغة لا بد أيضاً من اختيار قرارات تتعلق باختيار المفردات والرمزيات والايحاءات والصور والرسائل المراد ايصالها.
فيما يلي باقة معلومات عن اتخاذ القرارات:
أولاً: أنواع القرارات
تنقسم القرارات إلى عدة أنواع بناءً على طبيعتها، أهميتها، مجالها، ودرجة اليقين في نتائجها.
1. من حيث الأهمية:
أ. قرارات استراتيجية (Strategic Decisions)
ب- قرارات تكتيكية أو تشغيلية (Tactical/Operational Decisions)
ج. قرارات يومية أو روتينية (Routine Decisions)
٢- من حيث مستوى اليقين:
أ. قرارات في ظل اليقين (Decisions Under Certainty)
ب. قرارات في ظل المخاطرة (Decisions Under Risk)
٣- من حيث طبيعة صانع القرار:
أ. قرارات فردية (Individual Decisions)
-يتخذها شخص واحد بناءاً على خبرته وصلاحياته. فالطبيب هو من يقرر نوع العلاج لمريض معين بعد تشخيصه للمرض.
ب. قرارات جماعية (Group Decisions):
في الغالب طويلة الأجل، تؤثر على مستقبل المؤسسة أو الدولة بشكل كبير. لذلك تتصف بأنها  معقدة وتنطوي على قدر كبير من المخاطرة.
أمثلة:قرار دولة بالدخول في تحالف عسكري أو اقتصادي. قرار شركة بالتوسع إلى أسواق جديدة أو تطوير منتجات جديدة. إطلاق برامج إصلاح اقتصادي أو اجتماعي او سياسي.
ب. قرارات تكتيكية أو تشغيلية (Tactical/Operational Decisions)
تتراوح ما بين قصيرة الاجل الى متوسطة الأجل. تتعلق بالإدارة اليومية والعمليات التشغيلية.
وظيفتها الانتقال بالأهداف الاستراتيجية إلى خطط عملية تنفيذية كتحديد خطة إنتاج شهرية لمصنع، اختيار مواعيد طرح منتج جديد في السوق، جدولة العمليات الجراحية في مستشفى.
ج. قرارات يومية أو روتينية (Routine Decisions)
 تتكرر بانتظام وتتعلق بالعمليات اليومية. منخفضة التأثير والمخاطرة. كتحديد ساعات العمل، جدولة اجتماعات مجلس الادارة او الوزير او مجلس النواب.
2. من حيث مستوى اليقين:
أ. قرارات في ظل اليقين (Decisions Under Certainty)
تتطلب: جميع المعلومات متوفرة. النتائج المتوقعة واضحة. مثلا الاستثمار في سندات حكومية ذات عائد ثابت. إنتاج منتج يتمتع بطلب مستقر في السوق.
ب. قرارات في ظل المخاطرة (Decisions Under Risk)
مشكلتها: المعلومات متاحة جزئيًا، هناك احتمالية لحدوث أكثر من نتيجة معروفة ويمكن حسابها. مثال: التدافع لشراء الخبز والمواد التموينية تحسبا لنزول الثلج بناءا على تنبؤات الطقس، شراء التجار لعدد الذبائح قبل عيد الاضحى، زراعة خضروات للتصدير اعتمادا  على اخبار عن فتح اسواق خارجية كانت مغلقة.
ج. قرارات في ظل عدم اليقين (Decisions Under Uncertainty)
طبيعتها: المعلومات غير مكتملة أو غير واضحة، يصعب التنبؤ بالنتائج أو احتمالاتها. مثال: الاستثمار في الاسهم، الرهان على نتائج المباريات الرياضية، الرهان على تنفيذ قرارات القمم العربية والاسلامية، الاستعداد لفيضانات او هزات ارضية او براكين.
3. من حيث طريقة صنع القرار:
أ. قرارات مبرمجة (Programmed Decisions):
غالبا ما تكون روتينية، تتبع إجراءات محددة أو سياسات مكتوبة. مثال: الترفيعات الوجوبية والزيادات السنوية للموظفين، استعدادات وزارة الاوقاف ووزارة الصحة في مواسم الحج. الاستعدادات للانتخابات النيابية والبلدية
قرارات غير مبرمجة (Non-Programmed Decisions)
غير متكررة ومعقدة، تتطلب التفكير العميق والإبداع لحل مشكلات جديدة. مثال: مواجهة جائحة الكورونا، تدفق لاجئين من دول مجاوره، قطع المساعدات الخارجية او عدم الحصول على قروض كانت متوقعه.
الخلاصة: اتخاذ القرارات عملية متعددة الأوجه تعتمد على طبيعة الموقف والمعلومات المتاحة والأهداف المرجوة. اتخاذ القرارات هو مزيج من العلم والفن والمهارة. العلم يوفر الإطار النظري، والفن يمثل الحدس والإبداع، والمهارة تأتي من الخبرة العملية.
-علم: 
هناك نظريات علمية مثل نظرية اتخاذ القرار في الاقتصاد والإدارة، حيث يتم استخدام أدوات رياضية وتحليلية.
-فن: 
هناك جانب “إبداعي” في اتخاذ القرارات، خصوصًا في الحالات التي تتطلب الحدس والتعامل مع عدم اليقين.
-مهارة: اتخاذ القرارات يحتاج إلى ممارسة وخبرة لتطوير القدرة على المفاضلة بين البدائل بشكل فعال.
الأمثلة المعاصرة توضح أن القرارات الاستراتيجية تؤثر بشكل عميق في المجتمعات والاقتصادات والبيئة، وغالبًا ما تتطلب مفاضلات صعبة بين خيارات معقدة.
–  دخول مصر  في الصراع على السلطة في اليمن، القرارات المصرية التي مهدت لحرب حزيران ١٩٦٧، المطامع وسوء تقدير المواقف والعواقب  وردات الفعل التي ادت الى الحرب العراقية الايرانية، القرارات من مختلف الاطراف التي ادت الى  غزو الكويت، طوفان الاقصى، غزو اسرائيل للاردن الذي ادى الى معركة الكرامة، طبيعة وابعاد مشاركة حزب الله في طوفان الاقصى.  
من الضروري الانتباه الى ما نسب للقيادي في حماس المدعو ابو مرزوق، استقالة عبدالناصر بعد هزيمة حزيران، اعدام صدام حسين وتدمير الجيش العراقي واحتلال العراق، والتعويضات الهائلة للكويت، ما حل بسوريا وليبيا واليمن ومصير رؤسائها، الحرب في اوكرانيا.
⁃الفرق بين التنجيم والرمي بالغيب في اتخاذ القرارات يكمن في المنهجية والمعتقدات التي يستند إليها كل منهما:
1. التنجيم: هو استعانة متخذ القرار السياسي او العسكري على المنجمين الذين يعتقدون بأن حركة الكواكب والنجوم  يمكن أن تؤثر على حياة الإنسان والمجتمعات. يستخدم المنجمون أنماطاً وحساباتٍ تعتمد الخرائط الفلكية  والابراج الفلكية ومواقع الأجرام السماوية عليها،  ومواعيد حركتها للتنبؤ بالمستقبل ولاتخاذ قرارات تتعلق بالزواج، العمل، الاستثمار، السفر،  وقرارات الغزو العسكري.
رغم أن التنجيم  يعتمد على أنظمة محددة، إلا أنه يفتقر إلى أي أساس علمي مثبت.
2. الرمي بالغيب
الرمي بالغيب هو التحدث،  أو اتخاذ القرارات بناءً على التخمين العشوائي أو الحدس. أي أنه لا يعتمد على أي نظام أو إطار نظري في اتخاذ القرارات.
مثال: شخص يقرر بدء مشروع تجاري لمجرد أنه “يشعر” بنجاحه، دون دراسة جدوى أو معرفة السوق