ابراهيم السيوف
في عالم يكتظ فيه الأفق بضجيج الشهرة والبريق الزائف أصبحت الأضواء مسلطة على المشاهير كقدوات محتملة للمجتمع خصوصًا للشباب والمراهقين. لكن ما كان ينبغي أن يكون مصدرًا للإلهام بات في أحيان كثيرة أداة لهدم القيم وإعادة صياغة الأولويات المجتمعية على نحو يهدد الأسس الأخلاقية والروحية.
إن الشهرة التي قد تكون أداة للتغيير الإيجابي تحولت في أيدي البعض إلى سلاح مدمر للقيم حيث باتت مظاهر التفاخر بالماديات واستعراض تفاصيل الحياة الشخصية على الملأ ظاهرة شائعة. الخصوصية التي كانت يومًا قيمة سامية أصبحت مستباحة واستُبدلت الرسائل الهادفة بثقافة التباهي والاستهلاك المفرط ما أضعف معايير الاحترام والتماسك المجتمعي.
في هذا المشهد المتغير تُركت الأسرة وهي جوهر بناء المجتمعات عرضة لتأثيرات هذه الثقافة الهشة. من المؤسف أن بعض المشاهير لا يتورعون عن الكشف عن أسرارهم العائلية متجاهلين قدسية هذه الروابط وأثرها في تشكيل أخلاق الأفراد. وقد انعكس هذا السلوك على الأجيال الناشئة التي باتت ترى في إفشاء الأسرار أمرًا عاديًا. وهذا يتعارض مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: *”إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها”* (رواه مسلم). الحديث الشريف يبرز مسؤولية الحفاظ على الأسرار لا سيما الأسرية منها.
ولا يمكن الحديث عن هذه الظاهرة دون الإشارة إلى دور السياسة والإعلام. فقد ساهمت بعض السياسات الإعلامية في تعزيز هذا التوجه السلبي من خلال الترويج لمحتوى سطحي يخدم أجندات تجارية أو شعبوية متجاهلة مسؤوليتها الأخلاقية في بناء وعي مجتمعي رصين. وبدلًا من أن تكون وسائل الإعلام منصة لنشر الوعي وتعزيز القيم تحولت إلى أداة تُلهي الشعوب عن قضاياها الجوهرية مغذية ثقافة التبعية والسطحية.
ورغم قتامة المشهد يظل الأمل معقودًا على عودة الوعي الفردي والجماعي. إن المسؤولية تقع على عاتق الجميع بدءًا من المشاهير الذين يجب أن يدركوا أثر كلماتهم وأفعالهم مرورًا بالإعلام الذي عليه أن ينهض بدوره الأخلاقي وانتهاءً بالأفراد الذين يجب أن يتحلوا بالوعي والقدرة على التمييز بين ما يبني وما يهدم. العودة إلى التعاليم الربانية تبقى السبيل الأمثل لتعزيز الأسرة كقيمة سامية ومقدسة. قال الله تعالى: *”وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”* (الروم: 21).
إن الشهرة ليست في ذاتها نعمة أو نقمة بل هي امتحان لمن يحظى بها. فإما أن تصبح منارة تُضيء الطريق نحو التقدم الأخلاقي والاجتماعي أو تتحول إلى نار تحرق القيم والمبادئ. وبين بريق الشهرة وأفول القيم يبقى التحدي الأكبر هو التمسك بالمبادئ الراسخة التي تبقي المجتمعات واقفة على أرض صلبة قادرة على مواجهة رياح التغيير السلبي بثبات وإيمان. مسؤولية بناء مجتمع أخلاقي لا تقع على فرد واحد بل هي واجب مشترك بين الجميع أفرادًا مشاهير وإعلامًا. وحدها القيم الأصيلة هي التي تمنح الشهرة معناها الحقيقي وتجعلها مصدر قوة لا أداة هدم.