الدكتور محمد الهواوشة يكتب: النواب في الأردن.. أزمة تمثيل ومسؤولية غائبة

18 نوفمبر 2024
الدكتور محمد الهواوشة يكتب: النواب في الأردن.. أزمة تمثيل ومسؤولية غائبة

كتب الدكتور محمد الهواوشة :

يمر المشهد البرلماني في الأردن بمرحلة دقيقة تتطلب إعادة النظر في دور النائب وطريقة انتخابه، حيث أصبح واضحاً أن بعض النواب لا يستحقون تمثيل الشعب، وهو ما يعكس أزمة حقيقية في فهم الدور التشريعي والرقابي للمجلس النيابي.

هيمنة المال والأعمال واستعراض الحزبيين

شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة هيمنة واضحة لأرباب المال والأعمال على المشهد السياسي، مما أفسح المجال أمام ترسيخ ثقافة تخدم مصالحهم الشخصية أكثر من مصالح الوطن والمواطن. في المقابل، ظهر الحزبيون بشكل استعراضي يفتقر إلى الوعي الحزبي الحقيقي، مما حول الكثير من الأحزاب إلى أدوات لتحقيق مكاسب آنية دون رؤية أو برامج حقيقية. وبالنسبة للبقية، أصبحوا أشبه بـ”الكومبارس” الذين يكملون المشهد دون تأثير حقيقي أو فعال.

مجاملة الحكومة وقضايا الوطن

من المؤسف أن نجد بعض النواب يفضلون مجاملة الحكومة على حساب القضايا الوطنية والمطالب الشعبية. فمن واجب النائب أن يكون صوت الشعب في مواجهة أي قرارات قد تؤثر سلباً على معيشته أو حقوقه، إلا أن المجاملة والبحث عن مصالح شخصية طغت على أداء العديد منهم.

استقالات الأمناء العامين: إشكالية الولاء

يُطرح تساؤل جاد حول سبب استقالة بعض الأمناء العامين للأحزاب بمجرد حصولهم على منصب وزاري. كيف يمكن لشخص كان يدعو إلى تعزيز دور الأحزاب أن يترك منصبه بسهولة عندما يحصل على منفعة شخصية؟ هذا السلوك يعكس عدم الالتزام بمبادئ العمل الحزبي أو حتى أدنى درجات الولاء التنظيمي.

دور النائب: تشريع ورقابة لا خدمات

يجب أن يدرك الجميع أن دور النائب الأساسي هو تشريعي ورقابي، وليس الانخراط في تقديم الخدمات أو لعب دور الموظف الحكومي. التركيز على هذا الجانب يُفقد المجلس هيبته ويحوّل النواب إلى وسطاء للخدمات بدلاً من ممثلين للشعب.

الكوتات والجندرة: تحقيق العدالة لا المكافآت

لا يمكن أن تكون الكوتات وسيلة لتقديم المكافآت أو ضمان مقاعد دون استحقاق. إذا كانت القضية هي تحقيق العدالة، فيجب أن يُسمح للجميع بالمنافسة بناءً على الجدارة، وليس الجندر أو أي اعتبارات أخرى، طالما أن المواطن يحمل جواز السفر الأردني ورقمه الوطني.

نظام الثواب والعقاب في العمل النيابي

لإصلاح عمل النواب، يجب تفعيل نظام الثواب والعقاب بشكل صارم. فمن يتغيب عن الجلسات أو لا يلتزم بحضور المجلس يجب أن تُفصل عضويته أو تُعلق، فالمسؤولية البرلمانية تكليف وليست تشريفاً. النواب يتقاضون رواتب ومزايا، ومن واجبهم أن يعملوا بما يحقق مصالح الشعب، لا مصالحهم الخاصة.

الإفصاح عن الممتلكات وتعزيز الشفافية

على كل مرشح، سواء كان حزبياً أو مستقلاً، الإفصاح عن ممتلكاته قبل دخوله البرلمان، لضمان عدم وجود تضارب في المصالح. كما يجب على الأمناء العامين للأحزاب الذين يتقدمون للانتخابات الكشف عن هويتهم بوضوح، فإما أن يكونوا حزبيين بامتياز أو محليين يخدمون مصالح مناطقهم.

صفقة القرن وأدوار الإسلاميين

مع القضايا الكبرى مثل صفقة القرن، يتطلب الأمر من النواب موقفاً وطنياً صادقاً وواضحاً. لا يمكن ترك الساحة فقط للإسلاميين أو تيارات معينة للتعبير عن مواقفها، بل يجب أن يكون هناك توافق وطني يعكس إرادة الشعب بعيداً عن أي استقطاب.

نحو استقرار تشريعي وحرية تعبير

أخيراً، لا يمكن تطوير العمل النيابي دون تعزيز الاستقرار التشريعي ورفع سقف حرية التعبير، ليتمكن النواب من تمثيل ناخبيهم بصدق دون خوف أو مجاملات.

البرلمان الأردني يحتاج إلى إصلاحات جذرية تعيد دوره الحقيقي كمنبر للشعب وصوت للعدالة والحرية