الدكتور محمد الهواوشة يكتب:الانتخابات الأمريكية وتأثيرها على العالم: أي مستقبل ينتظر العالم مع الرئيس القادم؟

5 نوفمبر 2024
الدكتور محمد الهواوشة يكتب:الانتخابات الأمريكية وتأثيرها على العالم: أي مستقبل ينتظر العالم مع الرئيس القادم؟

كتب الدكتور محمد الهواوشة :

تعتبر الانتخابات الرئاسية الأمريكية من أهم الأحداث السياسية العالمية، حيث يتجاوز تأثيرها حدود الولايات المتحدة ليصل إلى كل بقاع العالم. كقوة عظمى، تؤثر سياسات الرئيس الأمريكي على الاقتصاد الدولي، والاستقرار السياسي، والتحالفات الدولية، ومختلف القضايا الحيوية. الانتخابات الحالية تأتي في ظل أجواء مشحونة حيث تظهر كاميلا هاريس كمرشحة ديمقراطية الأقرب للفوز، بينما يُظهر العديد من العرب والمسلمين الأمريكيين دعماً متزايداً لمرشحة حزب الخضر، جيل ستاين، كتعبير عن رفضهم لخيارات الحزبين التقليديين. في هذا السياق، نستعرض كيف يمكن أن تؤثر نتائج هذه الانتخابات على العالم؟.

1. دور الولايات المتحدة في السياسة الخارجية والأمن الدولي

تلعب الولايات المتحدة دوراً أساسياً في تشكيل النظام العالمي، خاصةً من خلال تحالفاتها الاستراتيجية، مثل الناتو، والتزاماتها الأمنية حول العالم. قد يؤثر انتخاب رئيس جديد على مدى التزام الولايات المتحدة تجاه هذه التحالفات، ويعيد رسم خارطة التحالفات والنفوذ الدولي. على سبيل المثال، إذا فازت كاميلا هاريس، فقد تتبنى سياسات خارجية تركز على الحلول الدبلوماسية وبناء الشراكات، في محاولة لتخفيف حدة التوترات. أما في حال فوز دونالد ترامب، فمن المرجح أن تتبنى الولايات المتحدة سياسة أكثر انفرادية، ما يعني انسحاباً جزئياً من التحالفات الدولية وتركيزاً على المصالح الأمريكية الضيقة، مما قد يزيد من حالة عدم الاستقرار العالمي.

2. التأثير الاقتصادي: ما بين الحمائية والانفتاح

تعتبر الولايات المتحدة المحرك الرئيسي للاقتصاد العالمي، وسياسات الرئيس القادم ستؤثر بشكل مباشر على الأسواق الدولية. سياسات هاريس الاقتصادية قد تتضمن التعاون التجاري وتوسيع الشراكات الدولية، مما يفتح أسواقاً جديدة ويزيد من الاستثمارات. في المقابل، من المحتمل أن يعود ترامب، حال فوزه، إلى تبني سياسات حمائية، بفرض تعريفات جمركية مرتفعة على الواردات الأجنبية، مما قد يشعل التوترات التجارية مع دول كبرى مثل الصين. هذه السياسات الاقتصادية المختلفة تؤثر في النمو الاقتصادي العالمي والاستقرار المالي، وتلقي بظلالها على الأسواق المالية في أنحاء العالم.

3. قضية التغير المناخي والسياسات البيئية

التغير المناخي هو أحد التحديات الكبرى التي تواجه العالم، ويتطلب التزام الدول الكبرى بخطوات جادة لمواجهته، والولايات المتحدة على رأس هذه الدول. في حال فوز كاميلا هاريس، من المتوقع أن تستعيد الولايات المتحدة دورها القيادي في حماية البيئة، عبر الالتزام بالاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ، وتطبيق سياسات تهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز الطاقة النظيفة. هذا المسار قد يشجع دولاً أخرى على اتخاذ خطوات مشابهة ويزيد من فرص تحقيق تقدم في الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي. بالمقابل، عودة ترامب إلى البيت الأبيض قد تعني تراجع الالتزام الأمريكي بقضايا المناخ، وهو ما قد يعيق الجهود الدولية، ويؤدي إلى تدهور بيئي على مستوى العالم.

4. حقوق الإنسان والديمقراطية

تلعب الولايات المتحدة دوراً مؤثراً في دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان حول العالم، ويختلف هذا الدعم بناءً على رؤية الرئيس الأمريكي. فوز هاريس قد يؤدي إلى زيادة الدعم الأمريكي للتحولات الديمقراطية، وتعزيز حقوق الإنسان في مناطق مثل الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن تدعم الحركات المدنية والإصلاحية من خلال الدبلوماسية. أما ترامب، فمن المرجح أن يركز على المصالح الاقتصادية والأمنية المباشرة، دون الاهتمام الكبير بحقوق الإنسان، وهو ما قد يشجع الأنظمة غير الديمقراطية على التمادي في قمعها، وقد يؤدي إلى تراجع الديمقراطية في بعض المناطق.

5. التأثير على منطقة الشرق الأوسط

منطقة الشرق الأوسط تتأثر بشكل كبير بسياسات الولايات المتحدة، والانتخابات الأمريكية تحدد التوجه المستقبلي تجاه قضايا هامة كالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، والتعامل مع الملف النووي الإيراني. إذا فازت هاريس، فمن المتوقع أن تتبنى نهجاً دبلوماسياً يسعى إلى حل النزاعات في الشرق الأوسط بطرق سلمية، مع إعطاء أهمية لقضايا حقوق الإنسان. أما فوز ترامب، فقد يعني العودة إلى سياسات صارمة تجاه إيران ودعماً غير مشروط لبعض الدول الحليفة وخصوصا إسرائيل، ما قد يؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة.

6. خيارات العرب والمسلمين في أمريكا ودعم حزب الخضر

في ظل عدم الرضا عن سياسات الحزبين التقليديين، أظهرت استطلاعات أن العديد من العرب والمسلمين في أمريكا يميلون إلى دعم جيل ستاين، مرشحة حزب الخضر، تعبيراً عن رفضهم للخيارات التي يقدمها كل من الحزب الديمقراطي والجمهوري. يرون في حزب الخضر بديلاً يعبر عن تطلعاتهم نحو سياسات أكثر عدلاً تجاه قضايا الشرق الأوسط، والحد من التدخلات العسكرية الأمريكية، ودعماً للقضايا الإنسانية. هذا التوجه يعكس طموح هذه الجاليات في تحقيق تحول إيجابي يمكن أن يؤثر مستقبلاً على تعامل السياسة الأمريكية مع قضاياهم.

الخاتمة: مصير العالم في يد الناخب الأمريكي

الانتخابات الأمريكية ليست حدثاً محلياً فقط، بل هي قرار يحدد مسار العالم خلال السنوات المقبلة. فوز كاميلا هاريس قد يعني مزيداً من التعاون الدولي، والتركيز على قضايا المناخ وحقوق الإنسان، والسعي نحو حلول دبلوماسية للنزاعات. في المقابل، عودة دونالد ترامب قد تعيد إحياء سياسات الانعزال، وتغذية الصراعات الاقتصادية، وإضعاف الالتزامات البيئية. ومع توجه بعض الناخبين العرب والمسلمين نحو دعم جيل ستاين كوسيلة للاحتجاج، يتضح أن هناك رغبة في بديل جديد يعبر عن تطلعات شريحة كبيرة من المجتمع الأمريكي.

في النهاية، يبقى العالم مترقباً لنتائج هذه الانتخابات، وما ستحدثه من تغييرات جذرية قد تصنع فارقاً حقيقياً في استقرار العالم وتقدمه نحو مستقبل أكثر استدامة وإنصافاً.