د. عادل يعقوب الشمايله
أتقدمُ بضميرٍ حيٍّ ونفسٍ مطمئنةٍ، وبدونِ خشيةٍ من أن أُتهَمَ بالنفاقًِ، بالتوصية لمن يهمهُ الامر وبيدهِ القرار، بمنحِ رئيس الوزراء الحالي د. بشر الخصاونة ارفعَ وسامٍ، وساماً لم ينلهُ من سبقهُ من رؤساءِ الوزاراء منذ أربعينَ عاماً على الاقل.
ونظراً لأَنهُ لا بُدَّ من توفرِ مُبررٍ للتوصيةِ أيّاً كانت طبيعتها او مسماها، فإنَّ المبررَ لتوصيتي هذهِ هو: تبني واقرار نظام الخدمة المدنية الجديد او نظام الموارد البشرية من قبلِ الحكومةِ الحاليةِ بقيادةِ رئيسها والذي لا يراودني الشكُّ في تأثيرهِ الاعلى وبصمتهِ الواضحةِ. وَلَديَّ اسبابي:
لقد سبقَ وشاركتُ بلجنتين ملكيتين للاصلاح الاداري. الاولى عام ١٩٨٤ في عهد حكومة الرئيس احمد عبيدات، والثانية عام ١٩٩٢ في عهد حكومة الرئيس
للأسف لم تُتَرجِم الحكومتان نتائجَ أعمالِ “اللجنتين الملكيتين” نظراً لغيابِ النُضجِ والفهمِ والاهتمامِ والإدراكِ للنتائجِ الكارثيةِ للامتناعِ عن او تأجيلِ أو المماطلةِ في تبني واقرار الاصلاح الاداري الذي لا يَختلفُ أُردنيان على ضرورته، ولا يختلفُ سائحانِ او زائرانِ للأردن او مراري طريقٍ على اهميته وضرورته. الحكوماتُ السابقةُ المتعاقبةُ بعضها كان “بعدَ معرفةٍ” يتجاهلُ او يتغافلُ أو يُداقر، وبعضها الآخرُ كانَ يفتقرُ للمعرفة وللوعي والاهتمام والمثابرة.
لقد قمتُ اثناء عملي كعضو هيئة تدريس في الجامعة الاردنية بإعدادِ بحثٍ اكاديمي عنوانه:
Measuring the Size of Government in Jordan and the impact of Size and Quality of Government on economic Growth .
قياسُ حجمِ الحكومةِ في الاردن وتأثيرُ حجمِ وجودةِ الحكومةِ على النمو الاقتصادي”
تطابقت نتائجُ البحثِ الذي أجريتهُ معَ نتائجِ أبحاثٍ أُجريت في دول أخرى. اهم هذه النتائج وجودُ علاقةٍ موجبةٍ بينَ حجمِ الحكومةِ وبينَ النمو الاقتصادي في البدايةِ. أي أنهُ كلما زادَ حجمُ الحكومةِ زاد النمو الاقتصادي. ولكن هذه العلاقة الموجبةُ لا تلبثُ حتى تنعكسَ فتنقلبَ الى عُلاقةِ سالبةٍ. أي أنَّ زيادةَ حجمِ الحكومةِ يؤدي لاحقاً الى تباطؤِ ثم تراجعِ النموِ الاقتصادي. ولذلكَ يأخذُ شكلُ العلاقةِ بين حجمِ الحكومةِ وبينَ النمو الاقتصادي شكلَ ال “U” المقلوبة أي “inverted U shaped curve”.
هذهِ النتيجةُ تكررت عندَ استخدامِ عددِ موظفي القطاع العام كمقياسٍ لحجمِ الحكومةِ، وكذلكَ حينَ تمَّ استخدامُ الانفاقِ الجاري للحكومةِ كمقياسٍ لحجمِ الحكومةِ، وكذلك حينَ تَمَّ استخدامُ حجمِ الايراداتِ المحليةِ كمقياسٍ لحجمِ الحكومة.
وقد سبقَ وحاولتُ ان أوصلَ نتائجُ البحث لناظريْ رئيس الحكومة السابق وعقلهِ وقلبهِ من خلالِ ثلاثِ مقالاتٍ على “موقع عمون” ولكن يبدو انه من جماعة “لا ارى لكم الا ما أرى” وأنه آثرَ السيرَ على خُطَى من سبقهُ التي كانت تُطبقُ سياسةَ ليكن بعديَ الطوفان.
ولو أننا استعنا بأحد أدوات التحليلِ الاحصائي المُستخدمةِ في مناهج البحث العلمي لمعرفة المتغيرات التي تُحَدِدُ مَدياتِ سيادةِ الكياناتِ السياسيةِ، حيثُ تتراوحُ ما بينَ تامةِ السيادة وَناقصةِ السيادة ومسروقةِ السيادة ومُنكَرَةِ السيادةِ وغيرِ مُستَحِقَةِ السيادة. فإنَّ نتائجَ التحليلِ سَتُظهرُ حتماً أنَّ النمو الاقتصادي هو من اهمها واعلاها تأثيرا.
في غيابِ النمو الاقتصادي (بمظهريه الركود الاقتصادي والانكماش الاقتصادي تتدنى ايراداتُ الحكومةِ، أيُّ حكومةِ في العالم، مما يضطرُها الى التوجهِ الى الاستدانةِ او طلبِ المعونات او كليهما. ونظراً لأنه، لا البنوكُ ولا الحكوماتُ الغنيةُ ولا المُنظمات الدوليةُ وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي تعتبرُ حاتم الطائي قدوةً لها، فإنهُ لا بُدَّ من دفعِ الثمن عند التعامل مع هذه الجهات المُقرضةِ والمانحةِ. وفي الغالبِ يكونُ الثمنُ شيلكوي الطَابعِ والمنهجِ والنتيجةِ.
واذا شبهنا سيادةَ الدولِ بسدر هريسه او سدر كنافه، فإنهُ لا بُدَّ من التضحيةِ بكيلو هريسه او كيلو كنافه مُقَابِلَ كُلِّ معونةٍ او قرضٍ، وتزدادُ كيلوات الهريسةِ اذا كانت توقعات أو معلومات المُقرِضِ أو المانح أنَّ الزبونَ مُتعبٌ risky وتنطبقُ عليهِ الآيةُ القرآنيةُ “ولا تؤتوا السفهاء اموالكم”.
يكفلُ نظامُ ادارة الموارد البشرية اذا طُبقَ بفاعليةٍ ونزاهةٍ وعدالةٍ وبروحٍ وطنيةٍ تطهيرَ وتعقيمَ الجهازِ الاداري للدولةِ الاردنية، ومحركاً لتغيير ثقافة العمل وثقافة التعامل مع الزبائن. المواطنونَ هم بِحُكمِ الزبائنِ عندَ توجههم للحصولِ على السلعِ والخدماتِ الحكوميةِ كونها مدفوعةِ الثمنِ من جيوبهم بالضرائبِ والرسومِ بأنواعها.
وأخيراً، فإنهُ على الرغمِ من أنني قد توقفتُ منذ زمن غير قصير عن ازعاج الحكومات بالبحث عن انجازاتها، لان التفتيش عليها يُشبهُ البحثَ عن إبرةٍ في كومةِ قش، وهو امرٌ متعبٌ ويغثُ البالَ اذا لم يتوفر لدى الباحثِ جهازُ كاشفِ معادن. ونظراً لأنَّ هكذا جهاز ممنوعٌ في الاردن، لذلك فقد رأيتُ أن الخيرَ في أن اتركَ الموتى يستريحونَ في قبورهم.