وطنا اليوم:يجاهد الغزيون “وهناً على وهن” ليظلوا أحياء تحت سماء تكدست بالصواريخ وأرض غدت عجافا لا يحيى بها شيء سوى ذكريات المنازل القديمة، والمساكن التي باتت حجارتها رمادا تذروه الرياح.
ومنذ أسابيع لجأ أهل غزة للإتكاء على معداتهم الخاوية؛ بعد أن ندر الطعام، وازداد الظمأ وقطعت المساعدات من العالم الخارجي، حيث سار الآباء هائمين على وجوههم يفتشون عن لقيمات تسد رمق أطفالهم، أو يصنعون “فتيتا” من الخبز والماء، حال تحقق المعجزة، وإيجاد القمح في ركن من أركان الأرض المنهوبة.
الفلسطينيون في غزة، تلقوا صواريخ السماء على صدورهم، وعانوا من ظَمأ الأرض، وارتقوا بداءِ المدافع، وجمعوا أجساد رفاقهم أشلاء، واهتزت مضاجع النيام منهم على وقع الرصاص، وطاردهم شبحُ الحرب ومنعهم من الأمل، حتى وهم على بعد أدعية من الحياة، وغلبوا النعاس كي لا يفوتوا شكل الصاروخ الهابط على رؤوس النيام، وختاما، أكلوا من فرط الجوع، أعلاف الحيوانات، وظل العالم صامتا بلا حراك.
ورغم كل تلك المآسي، خلق الغزيون المعجزة من رحم العدم، ووجدوا ما يمكن أن يكون اهداء لزوجاتهم، رجال غزة يختلفون عن رجال العالم، أي نعم، يخافون ويتعبون، لكنهم لا يتوقفون.
ولعل أشد ما لفت العالم المتخاذل صورة تهز الوجدان، حينما نشر المواطن الفلسطيني حمزة مصطفى أبو توهة صورة لقطعٍ من اللحم وحفنة من الأرز النيئ، وقال عليها بصريح العبارة:”وأما بنعمة ربك فحدث”.
حمزة، هرول أياما خمس وهو يبحث عن طعام لامرأته التي أنجبت طفلا عاش أثناء هبوط الصواريخ، وبعد الجري الكثير حصل على قطع لحم بمبلغ 70 دولارا، وحفنة أرز بكلفة 25 دولارا، إلا أنها دفعها بقلب بارد ليمنح زوجته هدية ميلاد طفله، هدية جاءت في اليوم السابع من ذكرى ميلاد الطفل الذي قد يصبح خالدا، وكأنها إشارة تذكرنا بمعجزة السابع من أكتوبر الماضي الخالدة.
ونهاية، 139 يوما في عداد البشر وقرونٌ بالنسبة للفلسطينيين، منذ أن بدأ الاحتلال الإسرائيلي الإرهابي تنفيذ أشد وأسوأ جرائم القتل في حق البشر، واليوم يردد اللاهث نحو النجاة في غزة، مقولات شتى، على رصيف الأمل.