وطنا اليوم:لا يخفى على أحد في هذا العالم أن مختلف منصات التواصل الاجتماعي تتحيز بشكلٍ فاضحٍ ضدّ المحتوى الخاص بفلسطين، فإذا أردت أن تتأكد، فما عليك سوى نشر صورةٍ أو مقطع فيديو لإحدى جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة على منصة فيسبوك أو إنستغرام، وستأتيك الإجابة بأسرع من البرق، بأنّ ما نشرته يعدّ، حسب سياسات تلك المنصات، تعاطفاً مع الجماعات الإرهابية، ثمّ يختفي ما نشرته، وفي حالاتٍ أخرى يعطّل حسابك أو يُغلق نهائياً، فكيف تساهم الشركات المالكة لمنصات التواصل في خنق المحتوى الخاص بفلسطين؟
“ميتا” السفاح الأكبر للمحتوى الفلسطيني
في كل مرة يصعّد فيها الاحتلال الإسرائيلي ضدّ الفلسطينيين، يجد النشطاء العرب والفلسطينيون على مواقع التواصل الاجتماعي أنفسهم محصورين في زاوية القمع الإلكتروني من تلك المنصات، إذ تتصاعد مخاوف هؤلاء من كتمان الأصوات على حساباتهم الشخصية، خوفاً من خوارزميات منصات التواصل، التي تقوم بحذف المحتوى ووقف الحسابات.
فمثلاً أصبحت “ميتا” بمختلف منصاتها تستخدم خوارزمياتها بصورة وحشية تماماً، بمجرد أن تظهر كلمات مثل إسرائيل أو فلسطين، يتحول الأمر إلى ما يشبه العقاب الجماعي، دون النظر حتى إلى السياق، وهذا ما نشهده فعلاً منذ بداية عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
في الأيام الثلاثة الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة، أعلنت “ميتا”، عن حذف أكثر من 795 ألف منشور باللغتين العربية والعبرية، وصفتها بأنها “مزعجة أو غير قانونية”، فيما يتعلق بالحرب، وذلك بعد تلقيها “توبيخاً” من الاتحاد الأوروبي.
ولم يكن المحتوى الخاص بفلسطين الناقل لحقيقة ما يحدث في غزة هو المستهدَف فقط، إذ تعداه إلى المحتوى المتضامن، وفي هذا الصدد نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية شكاوى المستخدمين، من أن رسائل الدعم للمدنيين الفلسطينيين، الذين شرد العديد منهم أو أصيبوا أو قُتلوا بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية، تم إخفاؤها من المنصات.
وكانت شركة ميتا، المالكة لتطبيقات التواصل الاجتماعي فيسبوك وإنستغرام وواتساب وثريدز أكبر الشركات المستهدفة للمحتوى الفلسطيني على مواقع التواصل، إذ أعلنت شركة “ميتا” أنها استجابت لـ90% من طلبات نيابة “إسرائيل” لإزالة محتوى وحسابات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت الشركة، في بيان: إنها تعمل مع مدققي الحقائق الذين يتحدثون العبرية والعربية، لحظر الحسابات واتخاذ الإجراءات اللازمة، بعد أن أبلغ المفوض الأوروبي تييري بريتون، الرئيس التنفيذي للشركة مارك زوكربيرج، وغيره من الرؤساء التنفيذيين لمواقع التواصل الاجتماعي، بأن منصاتها كانت مسؤولة عن موجة من المحتوى غير القانوني فيما يتعلق بالحرب بين “إسرائيل” وحماس.
وكان رئيس شركة ميتا “مارك زوكربيرج”، قد انتقد ما أسماه “الهجمات الإرهابية التي تشنها حماس”، ووصفها بأنها “شر محض، ولا يوجد أي مبرر على الإطلاق للقيام بأعمال إرهابية ضد الأبرياء”.
وكشفت النيابة العامة الإسرائيلية تنسيقها مع شركة “ميتا” المشغلة لفيسبوك وإنستغرام لحذف كل ما يتعلق بهزيمة إسرائيل في عملية طوفان الأقصى، بما فيها صور أسرى وقتلى الاحتلال، والآراء الداعمة لحماس والمقاومة، بحسب موقع “عرب 48”.
وكان تحقيق استقصائي لشبكة الجزيرة الإخبارية القطرية قد كشف في سبتمبر/أيلول الماضي عن دور إسرائيل في محاربة المحتوى الخاص بفلسطين بمواقع التواصل، إذ أقر حقوقيون ومسؤولون سابقون في موقع فيسبوك للتحقيق، بوجود استهداف للمحتوى العربي والفلسطيني، خصوصاً في منصات التواصل الاجتماعي.
ووفقاً للتحقيق الاستقصائي الذي بثّ على قناة الجزيرة في 8 سبتمبر/أيلول 2023، فإنّ المدير السابق لوحدة السايبر الإسرائيلية، إيريك باربينغ، أقرّ بالعمل الذي تقوم به إسرائيل، حيث طلبت إسرائيل وبشكل رسمي ومنمق من شركة ميتا بحذف الكلمات أو الجمل المناهضة لها وحتى الصور أو الإعجاب بصور الشهداء الفلسطينيين، وهو ما جعل المحتوى الفلسطيني يُحذف بشكلٍ واسعٍ من منصة فيسبوك.
وبدأ هذا الخنق الإسرائيلي على المحتوى الخاص بفلسطين في منصة فيسبوك منذ عام 2016، وذلك بعد أن عقدت فيسبوك اتفاقية مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، ازداد من خلالها استهداف المحتوى الفلسطيني على المنصة، تحت إطار مجموعة مخصصة من السياسات، بما يشمل إغلاق أو تعليق حسابات الصحفيين والمؤسسات الإعلامية والنشطاء وأي صفحة تتحدث عن القضية، بالإضافة إلى حسابات المستخدمين العاديين، بحجة إزالة “خطاب الكراهية” أو مواجهة “معاداة السامية”.
“تيك توك” تستهدف المحتوى الخاص بفلسطين
ولم تكن منصة “تيك توك” هي الأخرى بعيدة عن أزمة المحتوى المتعلق بحرب غزة، خاصة بعد تحذير أوروبي للشركة من السماح بنشر “محتوى غير قانوني” أو “معلومات كاذبة”.
وأعلنت المنصة، التي يستخدمها في الأغلب أطفال ومراهقون بشكل مكثف، أنها حذفت أكثر من 500 ألف مقطع فيديو، وأغلقت 8 آلاف بث مباشر مرتبط بالصراع بين إسرائيل وحركة “حماس”، بعد أيام من تحذير الاتحاد الأوروبي.
وقال التطبيق في بيان: “يقف تيك توك في وجه الإرهاب. نحن مصدومون ومفزوعون من الأفعال الفظيعة التي وقعت في إسرائيل الأسبوع الماضي. ونشعر أيضاً ببالغ الأسى إزاء الأزمة الإنسانية المتفاقمة التي تتكشف في غزة”.
المحتوى الخاص بفلسطين
تيك توك يساهم في التضييق على المحتوى الخاص بفلسطين/ مواقع التواصل
وذكر “تيك توك” أن إجراءاته تشمل تدشين مركز قيادة وتحسين أنظمة الرصد الآلية لديه لإزالة أي محتوى صادم وعنيف، وإضافة مزيد من مديري المحتوى الذين يتحدثون اللغتين العربية والعبرية، وإزالة المحتوى الذي يهاجم ضحايا العنف أو يسخر منهم، أو يحرّض عليه.
كما أضاف التطبيق، بحسب البيان، قيوداً على من له حق استخدام خاصية البث المباشر، مشيراً إلى أنه “يتعاون مع جهات إنفاذ القانون، ويجري اتصالات بخبراء”.
وكانت النيابة العامة الإسرائيلية قد طلبت من “تيك توك” في الأيام الأولى للحرب 1240 طلباً لحذف مقاطع فيديو وحظر مستخدمين، تم قبول نحو 85% من الطلبات (الموجّهة) إلى تيك توك، وتمت إزالة المحتوى.
إيلون ماسك يدخل في خط إبادة المحتوى الفلسطيني
لعلّ الزيارة الأخيرة لمالك موقع إكس (تويتر سابقاً) إيلون ماسك إلى إسرائيل، ودعوته من هناك إلى إبادة الفلسطينيين تعطيك حجم التحيّز الفاضح لمنصته ضد الفلسطينيين، فهذه المنصة تحولت إلى محرّض كبير على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، من خلال المحتوى الكبير الذي ينشره المتطرفون ضد الفلسطينيين والذي يشهد رواجاً واسعاً وغريباً، ولا يتعرض للمراقبة والحظر.
وحتى الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، رصد “مؤشر العنف”، الذي طوره المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، أكثر من 590 ألف محتوى عنف وكراهية وتحريض، خاصة باللغة العبرية، وتركزت معظم هذه الحالات على منصة “إكس”.
وليس جديداً على منصة تويتر التي تحولت الآن إلى إسم منصة “إكس” إستهداف المحتوى الخاص بفلسطين، إذ سبق أن قام موقع تويتر بإغلاق قرابة 200 حساب لنشطاء قاموا بالتغريد على وسم حي الشيخ جراح في أحداث سنة 2021.
حرية تليغرام تجعله مرتعاً للتحريض ضد الفلسطينيين
من جميع منصات التواصل الاجتماعي، تُعد منصة تليغرام الأكثر حريةً للنشر، فهذه المنصة الروسية لا تعتمد على الخوارزميات في التحكم بالمحتوى، مما جعل منه أيضاً مرتعاً لخطاب الكراهية والتحريض على العنف ضد الفلسطينيين.
فمنذ الـ7 من أكتوبر/تشرين الثاني، ظهرت العديد من الصفحات والمجموعات الإسرائيلية التي تحرّض وتستهزئ بالفلسطينيين ومآسيهم.
ورصد مركز صدى سوشيال، المعني بمراقبة المحتوى الخاص بفلسطين مجموعات خطيرة للمستوطنين عبر “تليغرام” تحرّض على الفلسطينيين في الضفة المحتلة، ما أسفر عن قتل 6 فلسطينيين برصاص المستوطنين في فترة الرصد تلك.
وأشار “صدى سوشال” إلى وجود أكثر من 138 رسالة تهديد عبرية بالقتل والملاحقة وصلت في الرسائل الخاصة لمستخدمين فلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية، بالإضافة إلى أكثر من 150 محتوى كاذباً ومزيفاً.
ومن جهة أخرى، يفرض تليغرام قيوداً على صفحات المقاومة الفلسطينية والمحتوى الذي تنشره، ومنها صفحة كتائب القسام وسرايا القدس.
أمام تصاعد القمع والتضييق على المحتوى الخاص بفلسطين، ظهرت عدة حملات تضامنية لتسليط الضوء على هذه القضية، كان آخرها حملة عالمية للنشر عبر وسم “لن تسكتونا”.
إذ أطلق ناشطون حول العالم، الأربعاء 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حملة باسم “لن تسكتونا” عبر هاشتاغ #We Wont Be Silenced، وذلك للاعتراض على التضييق والحظر الذي يحدث على شبكات التواصل الاجتماعي للمحتوى الذي يتحدث عن فلسطين، وما يجري في غزة.
جاءت هذه الحملة بينما تعمل منصات، على رأسها “فيسبوك” و”إنستغرام” المملوكتان لشركة ميتا، على حذف المحتوى الخاص بفلسطين، والتضييق على ناشريه ومعاقبتهم، كما بدأت تتزايد الشكاوى على منصة “إكس” المملوكة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك، من تقييد المحتوى الفلسطيني على المنصة، إضافة إلى إضعاف نسبة انتشاره.
ومن بين المشاركين في حملة “لن تسكتونا”، الداعية الأمريكي من أصل فلسطيني، عمر سليمان، والذي قال في تغريدة على حسابه بموقع “إكس”: “لا الحظر الخفي، ولا الرقابة، ولا حتى التخويف سيُضعف التزامنا تجاه العدالة وتحرير فلسطين. #لن_تُسكتونا”.
أضاف سليمان في تغريدة أخرى: “انضموا إلى حركتنا. انشروا رسماً أو صورة بيدٍ واحدة تغطي أفواهكم مع رسالة مكتوبة على يدكم الأخرى أو ملصق. ثم اصنع إشارة لثلاثة أشخاص آخرين واستخدم وسم #لن_تُسكتونا”
بينما كتبت الفنانة المصرية سامية جاهين: “يوافق اليوم 29 نوفمبر، اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني. وتُطبِّق الشبكات الاجتماعية، خاصةً تلك التابعة لشركة ميتا (فيسبوك وإنستغرام)، معايير الحظر الخفي وإزالة المحتوى المتعلق بفلسطين. فأخبروهم بأنهم لن يستطيعوا إسكاتنا. #لن_تُسكتونا #الحرية_لفلسطين”