بقلم : الدكتور بكر خازر المجالي
قبية المجزرة البشعة في ليلة 14 تشرين الاول من عام 1953 م، بحجة ان خرج منها من قام بقتل عدد من الاسرائيليين ، هذه المجزرة هي جزء من الذاكرة الوطنية الفلسطينية والعربية ،وصورة واقعية بحقائق دامغة عن الوحشية الاسرائيلية التي كان يمارسها العدو على طول خط الهدنية ما بعد عام 1949م واستمر الامر حتى عام 1967 ،وبسلسلة اعتداءات تجاوزت الف وسبعمائة اعتداء باشكال مختلفة من القتل وسرقة الاغنام وحرق المحاصيل وبث الالغام وغير ذلك ، حتى انه في الفترة من عام 1949 حتى عام 1957 تجاوز عدد الشهداء المدنيين عدد الشهداء العسكريين ، فقد استشهد 276 شهيدا مدنيا من بينهم نساءواطفال ، واستشهد “111” من جيشنا العربي الاردني ، بدليل ان الاستهداف هو للمدنيين لترحيلهم من مناطق الحدود .
قبية المذبحة والجريمة التي أدانها مجلس الامن وجامعة الدول العربية ،حدثت اثناء وجود المغفور له الملك الحسين طيب الله ثراه في اوروبا ، وفور علمه بالحادث قطع زيارته وعاد الى الاردن وفورا توجه الى قرية قبية ،ويأمر بتشكيل لجنة تحقيق التي اثبتت ان قائد اللواء الموجود قريبا من قبية لم يقم بواجبه مطلقا ،وقائد اللواء هذا كان العميد أشتون الانجليزي ، فامر جلالته بطرده من الخدمة فورا ، واعادة النظر بنظام تسليح حرس الحدود وتعزيز الجبهة وتقويتها .
حادثة قبية والتقصير الواضح في رد العدوان دفع الملك الحسين يرحمه الله – ولم يمض بعد اكثر من ستة أشهر على تسلمه سلطاته الدستورية – الى التفكير في تعريب قادة الجيش وانهاء خدمات الضباط الانجليز . وكان طرد أشتون وامتناع بريطانيا عن ابداء اي رد فعل، قد حفز المرحوم الحسين لاتخاذ الخطة الاكبر والأجرأ ،وبدأ التخطيط بحكمة وروية لضمان دخول الاردن في الجمعية العامة للامم المتحدة ،وضمان استمرار المساعدات للاردن ،وأيضا التعامل مع تنظيم الضباط الاحرار وكسب موالاتهم بتقديم اهم ما كان الضباط الاحرار يسعون اليه وهو التخلص من الوجود البريطاني حسبما كانت روسيا توجههم .
قبية المجزرة التي ذهب ضحيتها 67 من ابناء البلدة ، هذه المجزرة تبقى في وجداننا كأردنيين كشاهد على الوحشية المعادية ، وعبرة تدوم لاجيالنا الحاضرة . ونبقى نترحم على شهدائها الابرار .
مجزرة قبية بما انطوت عليه من نتائج كانت هي الشرارة الحقيقية التي وجهت البوصلة نحو التخلص من القيادة البريطانية وبسرعة، لتكون هذه الخطوة هي التي نقلت الاردن الى مرحلة السيادة التامة ، وعبرت عن قوة القرار الاردني وابهر الاردن العالم بجرأته وشجاعته .
بعد 57 عاما على مجزرة قبية نقف عند باب التاريخ ليبقى مشرعا ، ندخل من خلاله الى محطات عديدة من سلسلة المذابح الصهيونية ونقرأ في مواقف البطولة والتضحيات لجيشنا العربي الاردني ، لنعيش حياة الصمود والألم والأمل والثقة في المستقبل ، ولندرك دائما أن المستقبل هو لمن يعمل من أجله .