قراءة| إلى عميد آل هاشم.. الدَّمَ الدَّم، والهَدْمَ الهَدْم، نحارِبُ مَن حاربت، ونسالم من سالمت

19 نوفمبر 2023
قراءة| إلى عميد آل هاشم.. الدَّمَ الدَّم، والهَدْمَ الهَدْم، نحارِبُ مَن حاربت، ونسالم من سالمت

كتبه المهندس خالد بدوان السماعنة
حاولت جاهدا أن التزم سياسة الحياد أو ضبط القلم عن الكتابة في هكذا ظروف تتصارع فيها الآراء والتحليلات والتوقعات جراء ما يحدث على شعب غزة – فرج الله همه وكبت عدوه -، ولكن هيهات هيهات فإن للقلم ألما لايقل عن ألم الخنجر حين يضرب في الخاصرة. خاصة وأنا أرى بعضاً ممن يزاود على مواقف القيادة الهاشمية واختياراتها في مواجهة هكذا أزمة من الواضح أنها تختلف عن كل سابقاتها.
غزة ساحة معركة .. ظاهرها عدوان الحكومة الإسرائيلية على شعب أعزل بحجة القضاء على حركة حماس بجناحيها السياسي والعسكري. ويرى الجميع فيها – حتى من حكموا على حركة حماس بأنها (حركة إرهابية)- يرون فيها حربا بشعة ضمن سياسة العقاب الجماعي على مدنيين لا جمل لهم ولا ناقة فيما يجري.
وعلى الرغم من النفي الرسمي الإيراني بعلمها أو حتى مشاركتها لما حدث في يوم السابع من اكتوبر من حركة المقاومة الفلسطينية حماس إلا أن أن البعض يرى أن ثمة إشارات تؤكد أن ماجرى لم يكن بعيدا عن أصابع إيران بل ويؤكد أن لها دورا (ما) فيما يجري الآن والذي يدفع فاتورته شعب غزة بأكمله شيوخا وشبانا وأطفالا.
ومما يقوي هذا الاتجاه عند أصحابه تلك التصريحات الإيرانية الحمساوية بخصوص “وحدة الجبهات”، والتي تعني أن قوى المقاومة ستخوض الحرب معا في حال اعتدت إسرائيل على أيٍّ منها.
بل وزادت في الفترة الأخيرة التعبيرات العلنية عن التحالف بين إيران و حماس، والتي أثار بعضها جدلا واسعا وردود فعل في الرأي العام العربي في محطات عديدة، ولعل من أبرزها وصف هنية لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإسلامي “قاسم سليماني” عقب مقتله في ضربة أميركية مطلع عام 2020 بأنه “شهيد القدس”.
وكنا قد رأينا في المعركة التي أطلقت عليها حماس: “سيف القدس” بين الحكومة الإسرائيلية و حركة حماس، تلك المشاركة الرمزية عبر الحدود اللبنانية، والتي تمثَّلت في إطلاق ثلاث رشقات من صواريخ بدائية الصنع، الأمر الذي لم يكن ليحدث دون موافقة مسبقة من ‘حزب الله” الذي يسيطر تماما على جنوب لبنان.و قد قرأ الكثيرون مشهد الرشقات تلك بأنه إنذار للحكومة الإسرائيلية بأن الأمور قد تتدحرج إلى مواجهة على جبهتها الشمالية إذا استمرت حربها مع قطاع غزة.
في حين رأى البعض الآخر أن حجم هذه المشاركة جاء دون التوقُّعات التي كانت تتحدث عن “تلازم جبهات المقاومة”، مما يُثير التساؤل بشأن الحدود الفاصلة بين الحقيقة والدعاية في هذه المقولات، وحدود الاتفاق والاختلاف بين أطراف من يقال عنهم “محور المقاومة”.
إن الكثير ممن يبرر العلاقة الغريبة من نوعها بين حركة ترى نفسها حركة تحرير ومقاومة سنية كحركة حماس وبين دولة شيعية طائفية ك إيران يرون التبرير المقنع لهذه العلاقة هو ما تقدمه إيران لحركة حماس من دعم سياسي وعسكري! في حين أن الرد الجاهز على هذا التبرير هو أن إيران حين تدعم حماس فإنها تفعل ذلك ليس قناعة بالقضية الفلسطينية! بل لأنها ترى في هذا الدعم وسيلة لتعزيز نفوذها الإقليمي، وتبريرا لسياساتها التوسعية المعروفة باسم “تصدير الثورة”.
بل ويطرحون سؤالاً برسم الإجابة: كيف لدولة طائفية بامتياز أن تعمل في محيط عربي سني دون أن يكون لها حليف سني يسهل عليها القدرة على العمل في هذا المحيط السني الواسع؟.
والإجابة على هكذا سؤال كانت في أن إيران لن تجد أفضل من القضية الفلسطينية لتصنع لها بها موضع قدم تخلق لها به قوة سياسية في حوارها مع واشنطن خاصة -ومؤخرا- فيما يتعلق بالعقوبات والملف النووي.
كما أننا لن ننسى تلك الحروب بالوكالة التي تخوضها إيران في المنطقة بدءا من العراق مرورا ب سوريا واليمن وانتهاء ب ( …… ).أ ي نعم فنحن لن نستطيع التنبؤ بمدى قدرة إيران على الاستمرار أو التوقف في إشعال هذه الحروب .
أضف إلى كل ماسبق أنه لا يمكن أن نتجاهل البُعد الأمني في نظرة طهران لقضية فلسطين، حيث إن خلق خط دفاع مُتقدِّم مع الحكومة الإسرائيلية يعفي إيران من خوض صدامات مباشرة معهم (على فرض الحاجة لذلك وإن كنا نشك ونشكك في أن هناك تضاربا للمصالح بين الطرفين).
ولعل قائلا يقول: ألم يكن للتوجه الأخير لإدارة بايدن بما يخص الاتفاق النووي مع إيران دلالة واضحة على عدم الحاجة لما جرى أو يجري في غزة اليوم؟!
بصراحة إن ماجرى على الملف النووي الإيراني مؤخرا كان تحديا لعلاقة إيران ب حماس !! ..
بل وضعت هذه العلاقة على المحك ! .. فمثل هذه المستجدات على الملف النووي زادت من قوة المذهب الإصلاحي الساعي إلى تقارب علني بين إيران والحكومة الإسرائيلية، وأن يتم القبول بما قبل به الفلسطينيون أنفسهم في حكومة عباس!، والتخلي عن التصريحات السابقة لآيات إيران حول كون إسرائيل حكومة غاصبة ولا حق لها في الوجود !! ولعل هذا كان واضحا حين قامت إيران بتوثيق علاقتها بالسلطة الفلسطينية بعد أمد طويل من الفتور بين الطرفين. ولا شك أن هذه العودة للمياه إلى مجاريها يعني فتورا في العلاقة الإيرانية الحمساوية.
فهل انتهى دور حماس بالنسبة لإيران، ولم يعد لوجودها أهمية تذكر في حساباتها فخلت بينها وبين مصيرها المحتوم؟! وهل كان شعب غزة الأعزل المسكين هو الفاتورة الدموية لهذا التخلي؟!
هذا إذا علمنا أن إيران لن ترضى بعلاقة طويلة الأمد مع حركة مقاومة سنية لا تجني من ورائها مكاسب سياسية أو حتى ما يحقق لها امتدادا للبعد الطائفي الذي تسعى لنشره في المنطقة من حولها، خاصة إذا علمنا أن حركة حماس تعتز بهويتها السنية، ولطالما كانت ترفض محاولات إيرانية لنشر التشيع في فلسطين، والذي خلق احتكاكا من نوع ما حين دعمت إيران تنظيم مجموعة ” الصابرين” التي انشقت عن حركة الجهاد الإسلامي وأقامت “حسينية” في غزة !!! الأمر الذي رأته حماس سابقة لايمكن السكوت عليها، فكان ردها قاسيا على إيران حين قامت حماس بحل التنظيم ومصادرة كافة أسلحته، وقامت باعتقال كافة أفراده، وذلك لقناعة حماس بأن الانقسام الطائفي في فلسطين هو خدمة مباشرة لمشروع الاحتلال. وليتها وعت إلى أن انقسام الصف الفلسطيني الفلسطيني هو خدمة أكبر لذلك المشروع.
وإن نسينا فلن ننسى أو نتغافل عن ذكر الفارق الكبير في الأولويات بين دولة كإيران و حركة مقاومة ك حماس.إ فإيران حريصة كل الحرص على أن لا تكون أرضها ساحة معركة مع أي كان بعد التجربة المريرة التي خاضتها إبان الحرب العراقية الإيرانية، ولذلك نجدها حاربت على أرض العراق وسوريا واليمن !! وهذا يقودنا إلى التخمين في مكان المعركة القادم الذي قد تسعى إيران لإيجاده إذا ما شعرت بأي تهديد! أو حتى أحبت أن تنهي مع حلفائها الجدد محددات تم التوافق على أنه قد آن الأوان لإزالتها للمضي قدما في خدمة كافة أطراف الحلف والتحالف (الخفي المعلن )!.
فهل كانت غزة مكان المعركة الجديد الذي تم التخطيط له دون أن تحسب حركة حماس أنها قد تكون وشعب فلسطين الثمن لذلك الحلف؟.
بل قد يكون الثمن أكبر من غزة وشعب غزة ؟! وما غزة إلا بداية لسلسلة من المعارك تزيد من قوة الحلف ( الجديد ظاهرا ) ! إذ أن ماكان خفيا ومستورا قبل سنوات بات ظاهرا جليا في هذه الأيام. وهل بات الأردن وسلامة أرضه وشعبه على المحك؟!
الخلاصة.. إن الالتفاف حول القيادة الأردنية في كافة خياراتها هو النجاة والمخرج الوحيد لكل ما يحاك في حلك الظلام لدول المنطقة عامة والأردن خاصة. فالقيادة الأردنية ممثلة بعميد آل هاشم الملك عبدالله الثاني ابن الحسين تعي تماما ما لا نعيه، ويعلمون من خفايا ودقائق الأمور ما لا نعلم، وهي لا تفتقر إلى الحكمة والحصافة في إدارة الملف بما يخرج الأردن وأراضيه من دائرة الفتنة التي قد تدبر له. وقد جربناها عبر سنين طويلة فوجدنا هذا البيت الهاشمي كنيفا مليء حكمة ودراية ليسوس الأمور بما يضمن نجاة الأردنيين من كل سوء، أو الخروج بأقل ضرر ممكن.
عميد آل هاشم يحتاج منا الدعاء له بالسداد والنصر، وأن نلتف حول ماتمليه عليه حكمته السياسية في هذه الظروف الصعبة، وأن لا نسمح لكائن من كان أن يكون خنجرا في خاصرة قيادة أبي الحسين حفظه الله، فكم ممن سيخرج علينا باسم الوطنيات ليبرر الخروج عن خط سير القيادة الهاشمية واختياراتها في السلم والحرب. فتجديد العهد والبيعة والولاء ضرورة جاءت لتؤكد عليها طبيعة المرحلة. وأن نكون جميعا حول قيادة عميد آل هاشم ( سلما على من سالم وحربا على من حارب ) ..
وأنا عن نفسي أقولها: – ولست أزاود على أحد -: والله وبالله وتالله لو خضت البحر أبا الحسين لخضته معك.
نسأل الله أن يقينا مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ الله الأردن ملكا وشعبا.