‏لكي لا نقول: ألف يا خسارة

2 نوفمبر 2023
‏لكي لا نقول: ألف يا خسارة

 

حسين رواشدة

‏من يكسب أكثر، بعد نهاية الحرب على غزة، واشنطن أم بكين ؟ يبدو السؤال غريبا، لكن الأغرب منه، في سياق ما يسمح به الوقت من نقاشات عامة، أسئلة أخرى، مثل : هل انطلقت شرارة الحرب من غزة أم من خارجها ؟ وهل ستصب نتائجها في رصيد القضية الفلسطينية أم تتجاوزها إلى حسابات لاعبين كبار؟ ثم، من الأطراف المؤهلة لتوظيف نتائج الحرب في غياب أصحاب القضية أو تغييبهم؟ والأهم من ذلك، هل كانت الحرب مجرد «فخ «تم نصبه بإحكام في مكان مدروس، وتحت لافتة مشروعة، وفي سياق ظروف مفهومة، أم أنها انطلقت لأسباب موضوعية ذاتية تتعلق بالمقاومة وحدها، ثم ركب موجتها، لاحقا، آخرون، وجدوا الاستثمار فيها، او توظيفها، فرصة لتقاسم الغنائم، وتوزيع الأدوار؟
‏اترك الإجابات للقارئ الكريم، فهذا ليس وقتها، لكن لدي ملاحظة لافتة، قبل نحو شهر من هجوم ( طوفان الأقصى)، عُقد في الهند (9/10) مؤتمر العشرين، وتم فيه التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء الممر الاقتصادي الهندي الأوروبي، أقصد طريق «بايدن»، الدول التي شاركت هي ذاتها التي تقود الحرب في غزة الآن ( امريكا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا )، وهذا الممر -كما قال نتنياهو -وضع إسرائيل في قلب مشروع دولي مهم وغير مسبوق، اما الهدف منه فهو اجهاض مشروع طريق «الحزام والطريق «الذي أطلقته الصين، قبل نحو 10 أعوام، وكلفها نحو تريليون دولار.
‏حين عدت إلى الأرشيف، وجدت زخما كبيرا من المعلومات والتحليلات حول الموضوع المتعلق بصراع الممرات، اللافت هو حركة الدبلوماسية الإيرانية باتجاه روسيا والصين والعكس، أيضا، للتباحث حول طريق «الحرير»، ثم التصريحات التركية ضد مشروع «بايدن الهندي»، اللافت، أيضا ‏، أن نقطة الضعف الأهم التي تشكل عقبة أمام الإسراع بتنفيذ الخط الهندي هي « حيفا»، باعتبارها منطقة غير آمنة، اللافت، ثالثا، أنه بعد انطلاق حرب 7 أكتوبر ب 11 يوما، فقط، قام الرئيس بوتين بزيارة للصين، أعقبها بتصريحين، أحدهما حول تطوير مبادرة «طريق واحد « الصينية، والآخر قال فيه «اللاعبون الرئيسيون يرفضون تعميق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي» من خلال هذه الحرب،
‏يمكن للقارئ الكريم أن يبحث عن تفاصيل حول طريق» الحرير»، وما جرى من صراع حوله، على امتداد السنوات الماضية، بين أمريكا وحلفائها، والصين ومحورها، وصولا إلى إطلاق مبادرة طريق « التوابل» الهندي، يمكن، أيضا، أن يدقق في سر اندفاع واشنطن وأوروبا إلى هذه الحرب بشكل غير مسبوق، لا سيما وأن طرفها الآخر هو مقاومة، لا تمتلك إلا إرادتها، والقليل من الأسلحة التقليدية، يمكن، ثالثا، أن يفهم موقفا معلنا واحدا يتكرر في كل العواصم الدولية الآن حول «ما بعد الحرب «، أقصد تحويل غزة إلى إدارة خالية من المقاومة، سواء من خلال نشر القوات الدولية، أو إدارة محلية وعربية، أو إلحاقها بالسلطة الفلسطينية.
‏لا أعرف، بالطبع، إذا كانت دول محور الطريق الصيني تفكر جديا بالدفاع عن مشروعها كما فعل المحور الآخر الذي قرر أن يخوض الحرب بنفسه، أم أنها ستكتفي- كما تفعل طهران الآن -بإحالة هذه المهمة لأذرعها المحلية التي ما تزال تهدد، أو تتصرف ضمن قواعد الاشتباك المعروفة، ناهيك عن مدى تحول الاستدارة التركية إلى أفعال ملموسة، لا أعرف، أيضا، فيما إذا كانت أجندات أخرى، اقتصادية وسياسية، حاضرة في هذه الحرب، وسيجري تصفيتها او تسويتها، تبعا لنتائجها القادمة لكن ما اعرفه هو أنه لم يتم، حتى الآن، طرح أي مقاربة فلسطينية أو عربية جادة للتعامل مع ما بعد الحرب، في إطار يصب بخدمة القضية الفلسطينية، باستثناء ما يصدر من تصريحات حول حل الدولتين، ما يعني أن حصاد هذه الحرب، مهما كانت نتائجها، يمكن ان يذهب إلى اللاعبين الكبار أولا، بصرف النظر عن مواقفهم وأهدافهم، وأن التضحيات التي قدمها الفلسطينيون في غزة، وهي بحسابات الكلفة الإنسانية، فقط، لا يمكن للعقل أن يستوعبها، لن تجد من يستثمر فيها سياسيا، عندئذ يمكن أن نخرج، كفلسطينيين وعرب، من المولد -لا سمح الله- بلا حمص، وعندها لا يكفي أن نقول: يا خسارة، بل 1000 يا خسارة.