حسين رواشدة
مع الإبداع أم ضده؟ مع تشجيعه ام تجفيف ينابيعه ومصادره؟
الإجابة لا تحتمل التسويف أو المداهنة، إذا كنا جادين، إدارات الدولة والشركات ومؤسسات المجتمع، بتشجيع أبنائنا المبدعين، ودعم الحواضن الوطنية التي تتبناهم، يجب أن نتحرك فورا لإنقاذ نادي الإبداع بالكرك، ربما يتفاجأ البعض من هذا النداء السريع، معهم حق، لمن لا يعرف، هذا النادي ( أُسس عام 2010 ) يشكل قصة نجاح اردنية، احتضن اكثر من 27,000 مبدع ومبتكر من شبابنا مجانا، تخرج فيه مئات الشباب، بعضهم نجح بتأسيس مشروع خاص له، آخرون حصلوا على جوائز علمية عالمية، وغيرهم على فرص عمل داخل المملكة وخارجها، الأهم انه أنتج جيلا أردنيًا يمتلك مهارات العلوم والتقنية والابتكار، و محصنا، أيضا، بهويته وانتمائه لبلده.
بصراحة، حين أبلغني مؤسس نادي الإبداع ومديره التنفيذي، الصديق حسام الطراونه، أنه بصدد إغلاق النادي، بعد أن سدّت أمامه الشركات والجهات الداعمة أبوابها، وبعد أن جفت موارده، وانكشفت حساباته المالية، أحسست بغصّة في قلبي، أنا أحد المتابعين لنشاطات هذه الأكاديمية، منذ تأسيسها قبل 13 عاما، معقول تدفع شركاتنا الوطنية الكبرى ملايين الدنانير سنويا، تحت بند «خدمة مجتمع «، وتقطع يدها أمام طلب دعم بسيط لإبقاء النادي مفتوحا ؟ معقول هذا الجنوب الذي يشعر شبابنا فيه بالتهميش، لا يستحق من هذه الشركات التي استنزفت موارده ولوثت بيئته، حقه المعلوم من أرباحها الهائلة؟ معقول أن نحكم على مؤسسة وطنية بالإعدام، بعد أن حفظت أبناءنا من الانحراف والعنف والتطرف، وسهرت على رعايتهم وتأهيلهم، وفق أعلى المواصفات العالمية؟
يمكن، لمن أراد أن يطلع على جردة إنجازات النادي، زيارته أو زيارة موقعه على الشبكة، يكفي انه تم تصنيفه، من قبل بعض المنظمات الدولية، على قائمة أهم خمسة مراكز متخصصة في هذا المجال، كما أن مئات الطلبة في الجامعات الاردنية استفادوا من مختبراته التدريبية، ويستقبل الأطفال من عمر أربع سنوات لتلقي مهارات الرسم والفنون المختلفة، وتتوزع نشاطاته على ثلاثة مسارات: العلوم والتكنولوجيا، الفنون، المشاريع العلمية، ثم انه أطلق جائزة سنوية للموهوبين، إضافة إلى أنه يضم غرفة للتفكير، ومكتبة حديثة، ومختبرا رقميا وآخر للتصميم التكنولوجي، وغرفة لصناعة الأفلام، وكل ما يحتاجه المبدعون والموهوبون، من أبناء الكرك وخارجها، من أدوات لبناء شخصياتهم، وإطلاق طاقاتهم الإبداعية.
من المفارقات ان بعض الإدارات الرسمية والخاصة، تتحرك على الفور لدعم مهرجان للفنون، أو للاحتفاء بالمطربين والفنانين، أو مساعدة جمعيات ومؤسسات متعثرة، لا بأس، لكن أليس من الواجب أن تتحرك، أيضا، لإنقاذ أهم مؤسسة ترعى الإبداع في بلدنا ؟ ألا يستحق شبابنا الدين نطالبهم بالانخراط بالعمل والتنمية والحياة السياسية، ونفتخر أننا نستثمر فيهم، بتوفير مظلات ترعاهم و تبني شخصيتهم على أسس صحيحة، وما دام أن هذه المظلات موجودة، وقد بناها متطوعون أردنيون، ولم تكلف خزينه الدولة أي مبلغ، أليس من واجب الدولة أن تفتح لها نوافذ المساعدة والتمويل ؟ وأعتقد أنها تستطيع أن تفعل ذلك.
قبل أن يضطر اخواننا في نادي الإبداع بالكرك، لإغلاقه، فنفقد عندئذ أملا جديدا، و إنجازًا أردنيا يستحق الاحتفاء والتقدير، ثم نتحسر لأننا وقفنا متفرجين ومكتوفي الأيدي أمام إمكانية تدارك هذه الجريمة، أرجو أن نتحرك لدعمه وابقائه على قيد الحياة والعمل، وضمان استمراره ورفده بكل ما يحتاجه من امكانيات، وأن يحظى، أيضا، بما يستحق من تكريم، ذلك أنه، في غيبة تشجيع الإبداع، لا مستقبل لبلدنا وشبابنا، ولا أمل بتطوير حياتنا والحفاظ على أمننا، هل وصلت الرسالة؟ أرجو ذلك.