وطنا اليوم:حذرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، الخميس من أن العمال الوافدين في دول الخليج يفتقرون إلى الحماية الكافية للصحة والسلامة من رطوبة وحر الصيف الشديدين في المنطقة.
وقالت المنظمة إن التعرض للحرارة الشديدة يُشكّل خطرا صحيا شديدا. يمكنه التسبب بطفح حراري، أو تشنجات، أو إجهاد حراري، أو ضربة شمس، والتي قد تكون قاتلة أو لها عواقب تستمر مدى الحياة.
وأضافت: “يتعرض العمال في الهواء الطلق، من ضمنهم العاملون في قطاعي البناء والزراعة، لهذه المخاطر بشكل غير متناسب”.
ولفتت إلى أنه “كنقطة بداية، ينبغي لجميع دول الخليج تبنّي وتطبيق مؤشر الحرارة لجهاز البُصيلة الرّطبة الكرويّة (WBGT) (المؤشر) كمعيار لفرض قيود على العمل خلال فترات الحر القائظ، وإعمال تدابير السلامة والصحة المهنية لحماية العمال، وإلغاء نظام الكفالة المسيء الذي يمنح أصحاب العمل سلطة غير متناسبة”.
ونقلت عن مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش، قوله إنه “رغم الأدلة العلمية الكبيرة على الأثر الصحي المُهلك للتعرض للحرارة الشديدة، يتسبب عدم الحماية التي تقدمها دول الخليج في تعرض ملايين العمال الوافدين لمخاطر جسيمة، بما يشمل الوفاة. ينبغي لدول الخليج إعطاء الأولوية لوضع استراتيجية شاملة لمعالجة الإجهاد الحراري المهني، وينبغي للمنظمات الدولية التي تدّعي الدفاع عن حقوق العمال التحدث عن هذه القضية”.
بين 2021 و2023، قابلت هيومن رايتس ووتش 90 عاملا وافدا من بنغلاديش، والهند، وكينيا، ونيبال، حول قضايا الحرارة والسلامة الصحية في ثلاث دول خليجية: قطر والسعودية والإمارات. مع أن جميع العمال في الخليج يواجهون مخاطر التعرض للحرارة الشديدة، إلا أن العمال الوافدين هم الذين يتعرضون عمليا في غالبيتهم العظمى لظروف العمل الأخطر في المنطقة، بحسب المنظمة.
وجد الباحثون احتمال إصابة العمال بحالات صحية خطيرة ومزمنة جرّاء التعرض للحرارة الشديدة. لم يتمكن العمال من التعافي بالقدر الكافي من الحرارة، جزئيا لعدم وجود أماكن راحة كافية وأماكن إقامة مكيفة، كما أنه لا يُسمح دائما للعمال بالعمل بوتيرة آمنة. غالبا ما تُؤدي ظروف العمل هذه مجتمعة إلى عواقب وخيمة، منها الوفيات المرتبطة بالحرارة.
قد يصل متوسط درجات الحرارة في الخليج خلال أشهر الصيف إلى 40 درجة مئوية (104 درجات فهرنهايت) وقد تصل درجة الحرارة إلى 55 درجة مئوية عند رطوبة نسبتها 80%.
وتحظر جميع دول الخليج العمل في منتصف النهار في الصيف حيث يحظر على أصحاب العمل مواصلة العمل في الهواء الطلق خلال أوقات وأشهر محددة مسبقا. يتجاوز التشريع القطري لسنة 2021 ذلك، أقله من الناحية النظرية، حيث يحظر أي عمل في الهواء الطلق عندما تزيد حرارة المؤشر عن 32.1 درجة مئوية.
مؤشر الحرارة لجهاز البُصيلة الرّطبة الكرويّة هو مؤشر يُستخدم على نطاق واسع لقياس الإجهاد الحراري المهني بناء على درجة حرارة الهواء والرطوبة النسبية. وفقا لدراسة أكاديمية، تُقدر درجة الحرارة “القصوى” لما يمكن أن يتحمله الشخص السليم لعدة ساعات بحوالي 30 درجة مئوية و31 درجة مئوية في البيئات الرطبة الدافئة. رغم استمرار ثغرات التطبيق، يعد التشريع القطري لعام 2021 أساسا إيجابيا لأن درجة المؤشر هي أداة أكثر دقة لرصد مخاطر الإجهاد الحراري.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن على دول الخليج الأخرى تبني تشريعات مماثلة لأن حظر العمل في منتصف النهار لا يحمي العمال. قال عامل بناء سابق: “كان العرق ينساب من أحذيتنا أثناء العمل [في قطر]، وجواربنا وقمصاننا تبتل لدرجة أن نضطر لعصرها عدة مرات في اليوم”.
وجدت دراسات متعددة ركزت على مخاطر التعرض للحرارة في دول الخليج علاقة قوية بين الإجهاد الحراري والوفيات بسبب مشاكل القلب والأوعية الدموية، وأشارت إلى وجود ارتفاع في مخاطر الوفيات في الأيام الحارة جدا، مع تعرض العمال الوافدين لها بشكل غير متناسب.
تتجاوز مخاطر الحرارة بشكل كبير الحماية التي توفرها ساعات حظر العمل صيفا في دول الخليج للعمال، ومنهم العمال الوافدون، حيث تحدث ظروف الحرارة الشديدة غالبا خارج أشهر الحظر وخلال ساعات الصباح والمساء في أشهر الصيف. وجدت دراسة في الكويت زيادة كبيرة في مخاطر الإصابات المهنية المرتبطة بدرجات الحرارة الشديدة رغم الحظر. وجدت دراسة أخرى أن أعلى درجة حرارة مؤذية للعمال في السعودية تكون بين الساعة 9 صباحا والظهيرة، بينما يسري الحظر بين الظهيرة والساعة 3 عصرا.
رغم أهمية شرب السوائل، كان العمال يضطرون إلى الحصول على مياههم من الأماكن العامة، كالمساجد، أو شرائها. قال أحد العمال: “وضعت [الشركة] برميل ماء في الموقع، فأصبح ساخنا بسرعة كبيرة. لم يروِ الماء الساخن عطشنا”. وفرت شركات أخرى محطات تبريد مياه مع مسحوق الإلكتروليت والليمون والملح، بحسب هيومن رايتس ووتش.
قال عمال وافدون أيضا إن ترتيبات تنقلهم وإقامتهم أثّرت في قدرتهم على التعافي من التعرض للحرارة الشديدة خلال يوم العمل. قال عامل بناء في الإمارات: “أنتهي من العمل في الساعة 5 عصرا، لكن عليّ انتظار قدوم حافلة الشركة في الساعة 7 مساء، بالتالي أصل المخيم في الساعة 9 ليلا… و[عندما أنام] يكون الوقت قارب منتصف الليل، لأستيقظ في الساعة 4:30 فجر اليوم التالي. لا أشعر بالراحة الكافية”. قال آخر إن المناوبات الليلية ما تزال تشكل مخاطر على الصحة والسلامة رغم أن الطقس أبرد نسبيا، لكنه يبقى رطبا. وأضاف: “لا يمكن للنوم نهارا أن يعوّض النوم الجيد ليلا، لذلك أشعر دائما بالتعب”.
تحدث عامل مقيم في السعودية عن مكيفات الهواء المتداعية في مساكن العمال: “أخبرني [المدير] أنه سيصلحها إذا وافقت على خصم ثمن إصلاحها من راتبي”. تعرض عامل آخر في قطر لتجربة مماثلة: “كان المكيف يتعطّل كثيرا وكنا نخبر مشرف العمال، لكن الصيانة تتأخر لأيام. من دون تكييف، تصبح الغرف المكتظة التي يسكنها عشرة أشخاص لا تطاق. الطريقة الوحيدة للنوم كانت جرّاء الإرهاق”.
واجه العمال عدة مشاكل صحية، منها نزيف الأنف، وآلام الصدر، والحمى، والدوخة، والجفاف، وآلام المعدة، والغثيان، والقيء، والطفح الجلدي، والتهابات المسالك البولية التي يعتقدون أنها مرتبطة بالعمل في درجات الحرارة الشديدة