الدكتور جمال المصري
في عامي كورونا كان لدينا في الأردن سبعة ملايبن طبيب علم أوبئة؛ وصار كل واحد منهم العالم والأعلم والأخرون جهلة.
وللبرهنة على عبقريتك، كأردني، ألم بكل المعرفة والعلم حول مرض واعراض كورونا، يكفي أن تكون شتاما، لعانا، عالما بكل شيء، وباقي الناس اغبياء، لتؤكد توهمك بأن مجرد أنك تعرف أن تلفظ إسم المرض بالأنجليزية Covid-19 كاف لتأكيد عبقريتك.
ما حصل قبل عامين، يكرر نفسه اليوم بذات الطريقة، فلدينا اليوم سبعة مليون اقتصادي وخبير ومستشار اقتصادي ومتخصص في النظرية النقدية والاقتصادية؛ ينظرون ويستعرضون عبقرياتهم على مستمعيهم الـ 10 مليون مواطن (الذين يفترضون بهم الجهل والغباء لإشرابهم شعبوياتهم)، ولا ينسوا أن يستخدموا تعابيير إنجليزية قد يجهل معظمهم معانيها الحقيقية. والغريب هو تعليقات مستمعيهم من البؤساء التي تمجد فيهم وتنضم قصائد المدح والتغني بعبقرايتهم التي ما اورثتهم إلا فقرا وبطالة وبؤسا وضياعا، وتبشرهم بأعلى المناصب التي ستزهو بهم، حتى أن بعض السذج والحمقى لا يتردد ان يصيح ويعلي الصوت مستغربا ومحتجا على عدم تولية هولاء “العباقرة” ليسوا دفة قيادة الاقتصاد وإدارته.
إذا كان كورونا قد حير الاطباء والعلماء وما زال العالم عاجزا على فك طلاسمه وعلاجه والبحث عن اللقاحات والعلاجات الفعالة للقضاء على الفيروس اللعين وتحوراته التي لا تكاد تنتهي، فإن الاقتصاد وعلاقاته أشد تعقيدا وصعوبة، ولو لم يكن كذلك لما كنا نرى الأزمات والفقر والعوز والبطالة والتضخم، ولما إحتجنا للسياسات الاقتصاديةونماذجها المعقدة ولا لدراسة علم الاقتصاد حتى.
أتابع الأخبار والتحليلات والكتابات الاقتصادية كل يوم وساعة، لكني لم أجد دولة تشبهنا في التعاطي مع الشأن الاقتصادي؛ بل أن الكتابة الاقتصادية حتى في دول لم نكن نراها لفرط عبقريتنا وغرورنا المرضي، تقدمت علينا باشواط وأميال. ولا أكون إبالغ إذا ما قلت أن ما أراه لدينا هو فوضى إقتصادية من ما نراه يكتب ويقال على الشاشات، وللأسف الشديد أن وسائل ومواقع إعلامية هي من يساهم في هذه الفوضى ويعمقها ويوزع الالقاب وشهادات العبقرية ويسدل عباءات الخبراء والمستشارين عل كل من شاء، وهذا ما يثير الحيرة والشك عن مستوى ومصير المهنية الإعلامية، فيما يخص الصحافة الاقتصادية تحديدا، ويطرح تسأولاً ملحاً وموجعاً: لماذا؟.
أحدهم كتب ذات يوم بحسرة أن ساحة الكتابة الاقتصادية فارغة، وأننا لم نجد من يملؤها منذ سنوات طويلة حتى اليوم. أعتقد بصحة وبصدق وبشجاعة هذا الاعتراف، وربما أنتم أيضا.
كنت قد كتبت هذا المقال قبل سنتين، ولكن ما قراءته للتو من اقتراحات اقتصادية من اشخاص لا اعلم من أين يأتون بكل تلك الثقة في تبرير افكارهم التي تعج بجهل وأمية اقتصادية يستطيع ان يلمسها الإنسان البسيط، مع احترامي لهولاء الاشخاص الذين لا يحترمون عقولنا ولا حتى صورتهم أمام من يشاهدهم او يقراؤون ما ينقل عنهم من افكار اظنهم يعدونها ويحسبوها عبقرية تفتقت عن عقولهم التي لا مبرر للاستمرار في التجرؤ على اقترافها إلا حب الظهور الذي لا يدعمه أي منطق او معرفة حقيقية وعلمية، ويكون في أغلب الاحوال مثيرا للضحك والتندر. فهذا، يطالب بفرض ضريبة على البنوك لتجنب الركود، واخر على الودائع واخر يطالب بالترشيد والتنقل مشيا على الاقدام حتى نهاية الشهر الذي سيكون ثقيلا على الناس بعد العيد، واخر … واخر…؛ القائمة طويلة ولو اردت ان أكمل لن ينتهي هذا المقال.
فلتتوقف هذه الفوضى، وعلى وسائل الاعلام قبل غيرها إيقافها وعدم نشر مثل هذه الأراء وهذا المحتوى المليء بالحماقات، وإلا فإنها تصبح شريكا في الجرم وفي هذه الفوضى وهذا الحال الهزيل.