البرادعي رفض إغلاق ملف العراق النووي
واشنطن سعت إلى حجب الحجم الحقيقي لخسائرها في العراق عن الأميركيين
أميركا وبريطانيا قادتا حملة تنفيذ مشروع إسرائيلي لتدمير العراق
بذل العراق جهوداً كبيرة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن
وطنا اليوم- شتاء عام 2002، كان العراق قد استقبل فعلياً ما لا يقل عن 200 زيارة تفتيشية لمواقع عسكرية وأمنية وأخرى مدنية، من بينها جامعات ومعاهد بمختلف مدن البلاد، من دون أن تعثر على أي أدلة أو حتى مؤشرات تثبت مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وهي الذريعة التي تذرعت بها الولايات المتحدة وبريطانيا في غزوهما العراق واحتلاله قبل 20 سنة، وما زال العراقيون يدفعون ثمنها لغاية الآن.
وزير خارجية العراق في فترة الغزو الأميركي عام 2003 ناجي صبري الحديثي، يسرد لـ”العربي الجديد”، جوانب عديدة سبقت الاحتلال الأميركي، أبرزها عمل لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية. كما يتطرق إلى الجهود الدبلوماسية التي أدارها قبيل الغزو الأميركي، وأسهمت في إفشال مساعي الإدارة الأميركية بانتزاع قرار أممي بتنفيذ عملية الاحتلال. وفيما يصف ذكرى الغزو بأنها “اليوم الأشد سواداً في تاريخ العراق”، يعتبر أن الغزو الأميركي والبريطاني لبلاده في إطار تنفيذ مشروع إسرائيل.
* 20 سنة على ذكرى غزو واحتلال العراق… ماذا تقولون؟
هذه ذكرى اليوم الأشد سواداً في تاريخ العراق، ذكرى جريمة هذا القرن، وهي من أبشع الجرائم ضد الإنسانية في كل القرون والعصور، حينما حشّدت دول كبرى وغيرها جيوشها لتفتك بدولة محاصرة أصغر في مساحتها وأقل في عدد سكانها، وفي قوة جيشها واقتصادها، لكنها كانت وتبقى أكبر من كل تلك الدول في تاريخها المجيد وتراثها الحضاري ودورها الرائد في تأسيس الحضارة البشرية منذ أكثر من سبعة آلاف عام، وفي إغنائها لعشرات القرون.
حقق المستعمرون حلماً لطالما راود عتاة الصهاينة وأسلافهم ممن عششت في نفوسهم عبر القرون كل معاني الكراهية للعراق. وقد رسمت إسرائيل الخطوط العامة لتحقيق هذا الحلم منذ العام 1990، من خلال عناصرها في إدارتي [الرئيسين الأميركيين الأسبقين جورج] بوش الأب والابن وإدارة [بيل] كلينتون، ونفذت حكومتا بوش و(البريطاني توني) بلير الحلقة الأخيرة منه في غزو العراق واحتلاله من أجل هدم دولته الحديثة.
* قبل بدء عملية الاحتلال كنتم تتحركون في مجلس الأمن والأمم المتحدة، هل توصلتم لقناعات بأن قرار الحرب على العراق اتخذ فعلاً؟
كانت جولتي تلك في الدول العربية والأجنبية لإطلاع حكوماتها على موقف العراق من تطورات الأزمة التي كانت تعصف بالمنطقة، جراء حملة أميركا وبريطانيا لتنفيذ المشروع الإسرائيلي لتدمير العراق من خلال إنهاكه بثلاث حروب متزامنة. وهي حرب اقتصادية شاملة، بدأت بحصار خانق منذ 6 أغسطس/آب 1990 ومنها حملة نفذتها فرق التفتيش منذ أواسط العام 1991 لتدمير المنشآت الصناعية والعملية الكبرى، وحرب تدميرية شاملة عام 1991، وحرب استنزاف بدأت حال توقف الأولى من بداية مارس/آذار 1991، وتمثلت بقصف جوي يومي لمواقع العراق العسكرية والاقتصادية، واشتملت على 6 هجمات حربية كبيرة، واستمرت هي والحرب الاقتصادية حتى الغزو عام 2003.
–
أحبطنا محاولات أميركا وبريطانيا تنفيذ الغزو باسم الأمم المتحدة
البرادعي رفض إغلاق ملف العراق النووي
واشنطن سعت إلى حجب الحجم الحقيقي لخسائرها في العراق عن الأميركيين
أميركا وبريطانيا قادتا حملة تنفيذ مشروع إسرائيلي لتدمير العراق
بذل العراق جهوداً كبيرة لتنفيذ قرارات مجلس الأمن
وكنت في تلك الزيارات أحمل رسائل من الرئيس صدام حسين (رحمه الله) إلى قادة الدول بشأن موقف العراق من تطورات الأزمة، خصوصاً الموقف من تنفيذ قرارات مجلس الأمن بشأن العراق التي مررتها أميركا وبريطانيا منذ بداية الأزمة في أغسطس 1990، وصممت لإلحاق أشد الأضرار بدولة العراق.
أما بشأن اتخاذ قرار الغزو، فإن المسار المؤدي إليه قد بدأته أميركا وبريطانيا فعلياً منذ اليوم الأول بعد توقف حرب 1991، وتمثل بهجماتهما العسكرية اليومية، وبتمريرهما في مجلس الأمن قرارات جائرة، وأخطرها القرار 687 في 3 إبريل 1991. كما تجسد بالسلوك التخريبي والتجسسي للجان التفتيش عن الأسلحة، التابعة للجنة الأمم المتحدة للرقابة والتحقق والتفتيش (انموفيك) “UNMOVIC” وللوكالة الدولية للطاقة الذرية، التي هيمنت أميركا وبريطانيا عليهما، وعينت مديريهما من الموالين لهما وبثت فيهما عناصر مخابراتهما.
* ماذا فعلتم دبلوماسياً للتعامل مع نوايا الحرب على العراق آنذاك؟
في مارس 2002 انعقد مؤتمر القمة العربي في بيروت، وبذلت الدبلوماسية العراقية جهداً كبيراً لخلق أجواء إيجابية بين العراق وكل من الكويت والسعودية، وأفلح ذلك بالتوصل إلى قرار مصالحة بين العراق والكويت أدرج في قرارات القمة، لكن واشنطن منعت تنفيذه ما أدى إلى إفشاله وتضييع فرصة ثمينة لتجنيب المنطقة مخاطر الحروب والصراعات، وكان هذا الموقف مؤشراً إضافياً على أنها قد حسمت أمرها بالتوجه إلى قرار الحرب.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2002 تهيأت أميركا وبريطانيا لشن الحرب على العراق، بعد تمرير قرار من بوابة الأمم المتحدة لكي يتلفع (يتغطى) بستار الشرعية الدولية. وقبل سفري إلى نيويورك لترؤس وفد العراق في الدورة السنوية 57 للجمعية العامة للأمم المتحدة في هذا الشهر، التقيت الرئيس الراحل (صدام) وسألته عن موقفنا من مسألة إعادة مفتشي الأسلحة الأمميين فأجاب بالانتظار، ما يعني أن القيادة العراقية كانت ما تزال غير موافقة على عودة المفتشين الذين سبق أن أمر ريتشارد باتلر، رئيس اللجنة الخاصة للتفتيش عن أسلحة العراق (أونسكوم) بسحبهم، وتواطأ مع إدارة كلينتون وحرّضه على توجيه هجمات صاروخية لمدة ثلاثة أيام على بغداد بعد خروج المفتشين. وقد أثار انحراف فرق التفتيش عن مهامها، وتواطؤها في هذا العدوان، ضجة كبيرة في الأمم المتحدة، وباتت أوساط دولية تكرر اتهامات العراق لها بالتجسس ضد أمنه وسلامته. لذلك قرر العراق عدم السماح للمفتشين بالعودة، ما لم تتم إعادة النظر في مهامهم، ويُستجاب لمطلب العراق المشروع برفع الحصار بعد أن لبى كل متطلبات رفعه.
خلال حضوري في مقر الأمم المتحدة يوم 12 سبتمبر 2002 علمت أن وزير الخارجية الأميركي [وقتها] كولن باول كان يشرف على صياغة مشروع قرار يجيز شن الحرب على العراق باسم الأمم المتحدة، بذريعة عدم الموافقة على عودة المفتشين. ويفرض القرار على العراق شروطاً مستحيلة، ويفوض الدول بشن الحرب عليه باسم الأمم المتحدة بدون الرجوع إليها بعد أن يعجز عن تلبيتها. فأبرقت إلى الرئيس صدام مقترحاً الموافقة العاجلة على إعادة المفتشين لقطع الطريق على المشروع المعادي. ووصلتني موافقته خلال ساعتين، وأبلغتها للأمين العام للأمم المتحدة مساء 16 سبتمبر 2002، فأفشلتُ مشروع قرار أميركا وأحبطت محاولتها غزو العراق باسم الأمم المتحدة.
لكن الحكومتين الأميركية والبريطانية، اللتين كانتا تطالبان العراق بإعادة المفتشين، رفضتا قراره بإعادتهم واعتبرته خداعاً! وقد نشطت الدبلوماسية العراقية في التواصل مع الدول الثلاث دائمة العضوية في مجلس الأمن، فرنسا وروسيا والصين، والتعامل المهني مع كل وكالات الأمم المتحدة، ومع مسؤولي لجان التفتيش لبيان الموقف الجديد واستعداد العراق لتيسير مهامها، مع التأكيد على السلوك المهني في فرق التفتيش والابتعاد عن تسييس عملها لصالح الأجندات المعادية للعراق.
في نوفمبر/تشرين الثاني كررت أميركا محاولة شن الحرب باسم الأمم المتحدة، وسعت لحشر بند يضمن ذلك في قرار جديد سيئ بذريعة تحصين فرق التفتيش. ونتيجة تحرك العراق الإيجابي بشأن المفتشين، ونشاط الدبلوماسية العراقية على الصعيد الدولي، وتأمين تأييد المنظومة العربية للعراق ضد العدوان، فشلت واشنطن في تمرير البند السيئ في القرار 1441.
ثم قامت أميركا بمحاولة مماثلة في فبراير/شباط 2003، حينما دعت مجلس الأمن للاجتماع في 5 فبراير، فأرسلتُ رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 30 يناير/كانون الثاني 2003 نبهته فيها إلى أن وزير الخارجية الأميركي كولن باول سيأتي إلى اجتماع المجلس بعرض مسرحي ومزاعم عن أسلحة العراق. ودعوت فيها مجلس الأمن لإحالة أي أدلة يقدمها باول إلى فرق التفتيش الموجودة في العراق آنذاك للتحقق منها، وأكدت له استعدادنا الكامل لتيسير وصولها إلى أي مكان تقصده لهذا الغرض، وهذا ما حصل بالفعل. وهكذا أحبطنا المحاولة الثالثة، وعبر باول بعد سنوات عن خجله لذلك الدور.
واصلت الحكومتان الأميركية والبريطانية، محاولاتهما طيلة الفترة التالية قبل الغزو لتمرير قرار من مجلس الأمن يجيز قيامهما بغزو العراق باسم الأمم المتحدة، لكنهما فشلتا، فأقدمتا على تنفيذ مشروع الغزو المنتهك للشرعية الدولية.