وطنا اليوم:إن استخدمت بطاقتك البنكية لسحب أموالك من جهاز الصراف الآلي “ATM” في أي مكان من العالم، أو التقطت صورة بهاتفك الذكي أو تمتلك جهاز كمبيوتر شخصي، فأنت مدين بكل هذه التقنيات لرجل مصري اسمه “محمد عطا الله”.
كما أن عمله الرائد في تكنولوجيا “أشباه الموصلات”، وضع الأسس للتكنولوجيا الحديثة، وتطويره اختراع “MOSFET” كانت التقنية الأساسية، والعمود الفقري في جميع الأجهزة الإلكترونية الحديثة، من أجهزة الحاسوب والأجهزة الرقمية بكافة أنواعها، وصولاً إلى الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية، ويعتبر أكثر منتج تم تصنيعه واستخدامه في تاريخ البشرية.
ليس هذا وحسب، كانت حياة هذا العالم المصري مليئة بالإنجازات والألقاب وبراءات الاختراع في مجال التشفير والإلكترونيات وأشباه الموصلات. على الرغم من أنه لم يدرس أياً من تلك المجالات في الجامعة.
العالم المصري محمد عطا الله من بورسعيد إلى أمريكا
ولد “محمد محمد عطا الله” في مدينة بورسعيد في مصر عام 1924، وفي شبابه درس في جامعة القاهرة، وفيها حصل على بكالوريوس العلوم، وبعد تخرجه انتقل إلى الولايات المتحدة لدراسة الهندسة الميكانيكية في “جامعة بوردو” .
وهناك حصل على درجة الماجستير عام 1947 والدكتوراه عام 1949، وكلاهما في الهندسة الميكانيكية. وفي السنة نفسها حصل على عمل في مختبرات شركة “هاتف بيل” بمدينة نيويورك، حيث عمل على حل المشكلات المتعلقة بشبكات الهاتف.
وعلى الرغم من حصوله على التعليم في الهندسة الميكانيكية وعدم حصوله على تعليم رسمي في الكيمياء الفيزيائية، لكن في عام 1956 بدأ محمد عطا الله بقيادة فريق بحث صغير لتطوير “Transistor” أو “الترانزستور”، وحاول جعله يعمل بكفاءة أكبر.
ويعتبر “الترانزستور” أحد أهم مكونات الأجهزة الإلكترونية، وله القدرة على تكبير الإشارات الإلكترونية. وعلى الرغم من ظهور “الترانزستور” لسنوات سبقت عمل محمد عطا الله، لكنه لم يكن بتلك الجودة الكبيرة.
خلال فترة قصيرة أثبت محمد عطا الله أنه متعلم سريع، واستطاع إتقان عمله في الكيمياء الفيزيائية، وفيزياء أشباه الموصلات، وأظهر في النهاية مستوى عالياً من المهارة في هذه المجالات.
لكن طريق محمد عطا الله لم يكن مفروشاً بالورود، فعلى الرغم من توصله وفريقه خلال 4 سنوات من البحوث في مجال تطوير أشباه الموصلات و”الترانزستور” لمرحلة متقدمة، لم يتم أخذ عملهم وما توصلوا إليه من نتائج على محمل الجد من قبل الشركة التي كان يعمل بها، لأنه لم يكن مختصاً في هذا المجال.
لكن عطا الله لم يستسلم، وحقق وفريقه تقدماً كبيراً في تكنولوجيا أشباه الموصلات. وأصبح عملهم في أحد أهم محطات التقدم التقني في ذلك المجال، وفي تاريخ “الترانزستورات” والإلكترونيات الدقيقة. والذي أحدث ثورة في صناعة الإلكترونيات. وألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء.
اختراع محمد عطا الله الأكثر تصنيعاً في تاريخ البشرية
لم يتوقف محمد عطا الله عند هذا الحد من البحث والتطوير، وتمكن من تطوير اختراع آخر، كان له الفضل في ظهور جميع الأجهزة الإلكترونية الحديثة، ويعتبر على الأرجح أهم اختراع في مجال الإلكترونيات.
بناءً على بحثه الرائد السابق، طور عطا الله ترانزيستور “MOSFET” والذي ظهر قبل ذلك كتجربة في الأربعينيات، على يد علماء أمريكيين، ولكنه لم يستخدم عملياً، لأنه واجه مشاكل تقنية بسبب مكوناته والمواد التي كان يصنع منها.
لكن محمد عطا الله تمكن في عام 1959، وبمساعدة العالم الكوري “Dawon Kahng”، من تطوير “ترانزستور MOSFET” بشكل جعله أكثر فعالية بكثير، ويستهلك طاقة أقل بكثير من الترانزستورات الأخرى الموجودة في ذلك الوقت.
أحدث ترانزستور “MOSFET” ثورة في صناعة الإلكترونيات، وأصبح العنصر الأساسي في معظم المعدات الإلكترونية الحديثة. ليصبح الاختراع الأكثر تصنيعاً في تاريخ البشرية، فمنذ اختراعه لغاية اليوم، تم تصنيع ما يزيد عن 13 سكستليون “ترانزستور MOSFET”، (السكستليون هو الرقم واحد وأمامه 36 صفراً).
وأصبح لبنة البناء الأساسية للأجهزة الإلكترونية الرقمية الحديثة وأجهزة الكمبيوتر الصغيرة، وتكنولوجيا الاتصالات، والهواتف الذكية، والبنية التحتية للإنترنت، وأنظمة الاتصالات الرقمية، وألعاب الفيديو، والأساس للعديد من أنواع المستشعرات في التصوير الرقمي، وساعات اليد الرقمية، والعديد من الاستخدامات الأخرى.
حتى إن مكتب “براءات الاختراع والعلامات التجارية الأمريكي” وصف اختراع العالم المصري محمد عطا الله بأنه: “اختراع رائد غيّر الحياة والثقافة حول العالم”.
“صندوق عطا الله” اختراع يستفيد منه ملايين الأشخاص يومياً
في عام 1972 ترك محمد عطا الله صناعة أشباه الموصلات، وبدأ حياة مهنية جديدة في مجال مختلف وهو مجال أمن البيانات والتشفير. وأسس شركته الخاصة التي تعاملت مع مشاكل السلامة في المؤسسات المصرفية والمالية.
وحصل عطا الله على براءة اختراع “نظام التحقق من رقم التعريف الشخصي عن بُعد”، والذي استخدم تقنيات نقل بيانات مشفرة عبر شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية.
عام 1973 طرح اختراعاً جديداً في الأسواق، والذي كان أول وحدة أمان للأجهزة، تحمل اسم “صندوق عطا الله”، وهو نظام أمان يستخدم في غالبية المعاملات داخل أجهزة الصراف الآلي اليوم. وساهم عطا الله في تطوير نظام رقم التعريف الشخصي “PIN”، والذي يعتبر (من بين أمور أخرى) الأساس في التعاملات المصرفية والمعيار لتحديد الهوية، وحماية الحسابات المصرفية.
واليوم هناك نحو 250 مليون معاملة نقدية بالبطاقات المصرفية يتم إجراؤها بشكل آمن يومياً، بفضل اختراع محمد عطا الله.
في عام 1990 قرر محمد عطا الله التقاعد، ولكن لم تمض سوى 3 سنوات، حتى أقنعه العديد من المسؤولين التنفيذيين في البنوك الكبيرة، بالعودة للعمل من أجل تطوير أنظمة أمان للمصارف للعمل على الإنترنت.
بدأ عطا الله في تطوير تقنية جديدة لأمن المصارف على الإنترنت، سمحت تلك التقنية للشركات بنقل الملفات والبريد الإلكتروني وحتى الفيديو والصوت عبر الإنترنت بشكل آمن.
وعلى الرغم من وجود طرق تشفير الملفات وقواعد البيانات وحمايتها بشكل كامل في ذلك الوقت يمنع أي شخص من الوصول إليها من خارج المؤسسة. لكن طريقة عطا الله أتاحت للشركات والبنوك منح صلاحيات محددة والتحكم في المستخدمين والعملاء الذين لديهم إمكانية الوصول إلى هذه المعلومات والتصاريح اللازمة. وكان يعتبر نهجاً جديداً لأمن المؤسسات في ذلك الوقت.
مع العديد من براءات الاختراع، والنجاحات المتتالية خلال عقود من الزمن، لم تخل حياة محمد عطا الله من التكريم الرسمي والاعتراف بجهوده في تطوير الحياة البشرية، فحصل عام 1975 على “وسام بنجامين فرانكلين في الفيزياء”، لمساهماته المهمة في تكنولوجيا أشباه الموصلات السيليكونية واختراعه لـ”MOSFET”.
وفي عام 2003، حصل عطا الله على درجة الدكتوراه المتميزة من “جامعة بوردو” الأمريكية، وهي نفس الجامعة التي درس فيها عندما كان شاباً.
في عام 2009، وضع اسمه في “القاعة الوطنية لمشاهير المخترعين” لمساهمته المهمة في تكنولوجيا أشباه الموصلات بالإضافة إلى أمن البيانات.في عام 2015 وبعد وفاته، انضم اسم عطا الله إلى قائمة شرف تكنولوجيا المعلومات التابعة لـ”جمعية تاريخ تكنولوجيا المعلومات” لمساهماته المهمة في تكنولوجيا المعلومات.
في عام 2009 فارق العالم المصري محمد عطا الله الحياة، عن عمر ناهز الـ85 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً كبيراً من اختراعات ومساهمات عديدة، في مجال الأجهزة الإلكترونية، والنظام المصرفي، والتشفير وحماية البيانات على الإنترنت، يستخدمها مئات الملايين من الأشخاص يومياً