وطنا اليوم:فى مقال لافت نُشر أخيرا ب”الواشنطن بوست” لوزيرين أمريكيين سابقين هما:
كوندوليزا رايس التى تولت وزارة الخارجية فى الفترة ما بين 2005 و2009 وروبرت جيتس مدير السى أى إيه فى التسعينيات ثم وزيرا للدفاع من 2006 إلى 2011، عرضا للأزمة التى تعانيها أوكرانيا سواء من الناحية الاقتصادية أو العسكرية، ووصفا اقتصادها بالمُدمّر،وبالمثل البنية التحتية للدولة،فضلا عن وقوع ثرواتها الطبيعية وامكاناتها الصناعية وأراضيها الزراعية فى القبضة الروسية، فضلا عن تهجير الملايين من سكانها إلى الدول المجاورة، ومن ثم فقد أصبح اعتمادها شبه كامل على مساعدات الغرب.
الوزيران الأمريكيان خلصا إلى أن هذه الحرب ستطول، نظرا لما سمياه «الأحلام الامبراطورية» للرئيس بوتين، الذى يصر على إعادة أوكرانيا بأكملها لسيطرة موسكو، واستشهدا بما سبق وأكده منذ عقود، زيجنيو بريجينسكى المستشار الأمريكى للأمن القومى فى عهد الرئيس الأسبق جيمى كارتر، لا احياء لتلك الامبراطورية دون أوكرانيا، وفى حال الفشل، فسيقوم بتدميرها بحيث تُصبح دولة غير قابلة للحياة.
في ظل هذه النظرة السوداوية، يبقى التساؤلات عن السيناريوهات القادمة للحرب التي تدخل عامها الثاني بعد أيام ، وهي الحرب التي ملأت الدنيا وشغلت الناس.
د. إسماعيل صبري مقلد أستاذ العلوم السياسية قال إن الادارة الغربية والروسية الصفرية لأزمة الحرب في اوكرانيا لا تترك مجالا للتوافق علي أي حلول وسط تضع نهاية قريبة لهذه الحرب المأساوية المدمرة بل تنذر – برأيه- بأن تدفع بها علي طريق التصعيد المتبادل والي الحد الذي قد يخرج بها عن حدود السيطرة.
وأضاف مقلد أن هذا التخوف ربما هو ما دفع نائب رئيس مجلس الامن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف إلى التلويح بإمكان استخدام روسيا لاسلحتها النووية اذا كانت الاسلحة التقليدية ستعجز عن تمكينها من تحقيق هدفها من حربها في اوكرانيا.
وأضاف قائلا: “ولأن روسيا كما قال لن تقبل هزيمتها فيها بأي شكل من الاشكال، وهذا التهديد بالتحول من الأسلحة التقليدية الي الاسلحة النووية يرفع من احتمال اخراج هذه الحرب من نطاقها التقليدي المحدود والتحول بها الي حرب نووية عالمية شاملة”
وقال إن ما يدفع ميدفيديف الي التلويح بالخيار النووي لحسم نتيجة الحرب في اوكرانيا ، هو التأكيدات المستمرة التي تصدر عن الدوائر العسكرية والسياسية الامريكية ودوائر حلف الناتو بان الغرب لن يسمح لروسيا تحت اي ظرف بتحقيق هدفها والخروج منها منتصرة ، وان هزيمتها الاستراتيجية الكاملة فيها هي الهدف الذي لن يساوم الغرب عليه او يقبل التنازل عنه.
وقال مقلد إن اجتماع وزراء دفاع الناتو امس في قاعدة “رامشتاين” العسكرية الالمانية وتوافقهم على دعم قدرات اوكرانيا العسكرية في هذه الحرب بكافة المنظومات الدفاعية التي تحتاجها حتي يتحقق لها النصر علي روسيا ، هو مؤشر آخر علي هذا التصميم، وان الامور قد وصلت بالطرفين الروسي والغربي الي نقطة اللا عودة وان الحرب اصبحت تدار علي قاعدة غالب او مغلوب، لافتا إلى أن الأكثر والاخطر هو ان هزيمة روسيا في اوكرانيا لن تكون نهاية المطاف بالنسبة للناتو لانها سوف تستمر بالنسبة له المصدر الاول لتهديد امن دوله وفق ما سمعناه منهم في اجتماع وزراء الدفاع في رامشتاين،وهو ما يعني ان الصراع مع روسيا سوف يستمر ولن يتوقف بانتهاء هذه الحرب بل وقد يتطور في اتجاه اخطر.
وقال إن هذا كله جاء ليسد من جديد كل أبواب التسوية والحل لهذه الحرب.
وخلص إلى أنه في كل الاحوال، فإن الموقف علي الارض آخذ في التطور في اتجاه يبعث علي ما هو اكثر من الخوف والقلق ، حيث يمر السلم والامن الدوليان بخطر هو الاكبر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مشيرا إلى أنه خطر عاد معه شبح الاسلحة النووية وغيرها من اسلحة الدمار الشامل يطل براسه علي العالم من جديد.
وقال إن هذه الكارثة الامنية التي تلوح بوادرها الآن في الافق ان حدث ووقعت، فسوف تكون بسبب الادارة الصفرية الحمقاء للصراعات الدولية وبصورة لم تحدث حتي في احلك فترات الحرب الباردة القديمة.
رايس
برأي أستاذة العلوم السياسية د.هالة مصطفى فإن أخطر ما جاء فى المقال المشترك لرايس وجيتس هو اعتقادهما بأن الزعيم الروسى لن يقبل تحت أى ظرف بالهزيمة،لأنها ليست اختيارا، ولا يمكنه التنازل عن المقاطعات الأربع التى استولى عليها بعد استفتاء عام, لم يقبل به المجتمع الدولى, وسيتمسك بها لتكون نقطة انطلاق لشن مزيد من الهجمات على بقية المناطق المحيطة وتحديدا ساحل أوكرانيا المطل على البحر الأسود للسيطرة على إقليم دونباس بالكامل.
وأضافت أن المقال فتح المزيد من الجبهات، ورسم صورة متشائمة عن مستقبل التسوية السياسية.
ولفتت إلى أن سلوك موسكو مؤخرا يؤكد وجهة النظر هذه، مشيرة إلى أنها عادت وصعدت من عملياتها العسكرية الهجومية، بعد تراجعها النسبى الشهور الفائتة،إذ تقهقرت قواتها فى منطقة الجنوب (موقع مدينتى خيرسون وزاباروخيا) ومنذ ذلك الحين لم تستول على أى من المدن الكبيرة, ولكنها الآن بدأت فى التقدم مرة أخرى واستطاعت السيطرة على معظم مدينة سويدار شرقى البلاد, والغنية بمناجم الملح, والتى بموقعها وطبيعتها الجغرافية توفر ملاذا آمنا لقواتها من الغارات الجوية الأوكرانية, فضلا عن كونها الطريق المؤدى لمدينة باخموت ذات الأهمية الاستراتيجية والتى تقع على مقربة منها, وتصل من خلالها امدادات السلاح الغربية لأوكرانيا, أى فرض نوع من الحصار عليها.
وأوضحت أنه إذا ما سقطت المدينتان، فهذا يعنى تغيير مسار الحرب بالاستيلاء على مساحات أوسع من الأراضى، وسيُغرى حتما الجانب الروسى بمزيد من التوسع ليصبح الطرف الأقوى، وبالتبعية سيؤجل مسألة التسوية.
وقالت إن إصرار الكرملين على مواصلة خطته بأى ثمن بات واضحا، ويُدلل على ذلك بالاستعانة بالشركة العسكرية الروسية غير الرسمية المعروفة بـ«فاجنر» بعدما اعتمد على التعبئة العامة الجزئية من قوات الاحتياطى بالجيش، مشيرة إلى أنه كان إجراء غير كاف, والشركة كما هو معروف تستعين بآلاف المقاتلين من المرتزقة ومنهم من تم نشرهم فعليا بشرق أوكرانيا، وقبل ذلك فى سورية
وحروب الشيشان، ويعتبرها الكثيرون شركة أمنية غامضة إلى حد ما، ولكن الثابت- حسب رأيها-أن من أسسها هم ضباط روس سابقون، وهو ما يجعلها تابعة للنظام، والأكثر احتمالا أنها ستشارك بمعركة «يخموت» القادمة.
وقالت إن الأمور لم تقف عند هذا الحد بل هناك نقاش جاد حول إمكان إشراك بيلاروس فى الحرب التى ترتبط بحدودها الشرقية مع موسكو والجنوبية مع كييف، وقد زارها بوتين منتصف ديسمبر الماضى، فى زيارة هى الأولى من نوعها منذ 2019, وهى حليف تقليدى لروسيا ومكنتها من شن الحرب على أوكرانيا انطلاقا من أراضيها، وعلقت صحيفة «الجارديان» البريطانية وقتها على تلك
الزيارة, بأنها الأخطر والأكثر اثارة للمخاوف والجدل, كون المحادثات بين زعيمى البلدين, جاءت بعد ساعات قليلة من قيام روسيا بشن هجمات صاروخية عنيفة على منشآت الطاقة فى أوكرانيا، وأدت إلى تدمير العديد من المواقع الحيوية بما فيها تلك الموجودة فى العاصمة كييف, واتفقا على احتمال ارسال قوات من بيلاروس للقتال جنبا إلى جنب مع مثيلاتها الروسية، وهو ما أثار مخاوف الرئيس الأوكرانى زيلينسكى من أن يتحول الدعم إلى مشاركة كاملة فى القتال، وهى مخاوف تجددت عقب إرسال روسيا مؤخرا آلافا من جنودها إلى البلد الحليف على طول حدودها مع شمال أوكرانيا، ما عزز من احتمالات شن هجوم مشترك, لتطويقها وحصارها.
وقالت إنه فى المقابل أفصح الناتو عن عزمه نشر مزيد من قواته فى رومانيا وبولندا تحسبا لمواجهة سيناريو كهذا حال تحققه، كما حذر المتحدث باسم البيت الأبيض بيلاروس من الإقدام على هذا الأمر الذى سيوقعها حسب قوله تحت طائلة العقوبات.
وخلصت إلى أن موسكو تُصعد من جهة بغية الانتصار فى الحرب، وواشنطن على الضفة الأخرى تسعى لأن تصبح أوكرانيا مستنقعا لهزيمة الروس مثلما حدث مع السوفيت فى أفغانستان، ولكن فى كل الأحوال ومهما طال الأمد فستكون المفاوضات هى الحل حسب رأيها