وطنا اليوم:التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن تبرز بشكل أكبر بعد أن ظهرت أزمة جديد سببها ارتفاع أسعار المحروقات، وما نتج عنها من عنف بنهاية العام 2022. إضافة إلى مؤشرت أخرى يتحدث عنها الأردنيون تشير إلى تراجع النشاط التجاري في المملكة.
وخلال الشهر الأخير من 2022 تحولت احتجاجات على رفع أسعار في بعض المدن إلى أحدث عنف والتي راح ضحيتها عدد من أفراد الأمن، والتي انتهت من دون تلبية مطالب المحتجين، فيما قررت الحكومة تمديد العمل بأحكام أمر الدفاع لعام 2021، والذي يقضي بعدم حبس المدين ضمن ضوابط.
ورغم التصريحات على لسان رئيس الوزراء الأردني، بشر الخصاونة، بأن الحكومة “لا تملك ترف دعم المحروقات” بتجميد الضريبة المفروضة، وجه العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، إلى تجميد الضريبة على مادة “الكاز” خلال فصل الشتاء لتخفيف الأعباء على المواطنين.
وتتباين الآراء حول الاقتصاد الأردني في 2023، إذ يرى البعض أنه سيكون قادرا على تجاوز التحديات، فيما يرجح آخرون أن المملكة قد تكون على أعتاب أزمة اقتصادية خلال 2023.
رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، النائب، خير أبو صعيليك، يرى أن القطاعات التجارية والصناعية في الأردنية ليست مقبلة على ركود خلال العام الحالي، خاصة وأن هناك زيادة في تسجيل أعداد المحلات التجارية، وتحسن أرقام الصادرات.
وأوضح أن الإغلاقات لمحلات تجارية والتي يتحدث عنها البعض قد تكون غالبتها لـ”بعض المهن التجارية، التي تنتقل إلى شكل جديد من أشكال العمل”، وهذا لا يعني بأي شكل من الأشكال أن اقتصاد المملكة مقبل على ركود.
ويتداول أردنيون مقاطع فيديو يوثقون فيها ما قالوا إنها محلات تجارية تغلق أبوابها بسبب الحالة المتردية في المملكة، لكن لم يتم التحقق من مدى صحتها.
ويقول أبو صعيليك إن هناك “أزمة اقتصادية بدأت تظهر في دول العالم”، ولكن مراجعات الاقتصاد الأردني التي يجريها صندوق النقد الدولي، تظهر أنه يتجه نحو “منحى إيجابي ومؤشراته في تحسن”.
ويختلف المحلل الاقتصادي، عامر الشوبكي، مع رؤية أبو صعيليك للأمر، حيث يقول إن “الأردن على أعتاب أزمة اقتصادية خلال 2023″، مشيرا إلى أن صندوق النقد الدولي يتوقع تأثر حوالي 60 في المئة من الدول حول العالم بأزمات اقتصادية خلال هذا العام لأسباب متعددة.
ويشرح أن صندوق النقد يتوقع حدوث ركود عميق واضطربات اقتصادية في نحو ثلثلي دول العالم، خاصة تلك الدول التي تتحمل أعباء مديونية مرتفعة، مضيفا أن المملكة ستواجه عجزا كبيرا في الموازنة ودينا عاما يزيد عن 113 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويعاني الأردن أوضاعا اقتصادية صعبة فاقمتها ديون تناهز 47 مليار دولار، أي ما نسبته 106 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب بيانات المالية العامة منذ يناير وحتى نهاية أغسطس.
ويضيف الشوبكي أن القطاع الخاص يعاني من إغلاقات، وهذا يعود إلى عدة أسباب، أبرزها “تراجع القدرة الشرائية للمواطن خاصة في ظل أعباء ضريبية مرتفعة تتخطى 29 في المئة بحسب الأرقام الرسمية”، مؤكدا أن العبء الضريبي على المواطن الأردني أعلى من ذلك بكثير وقد يتجاوز 35 في المئة، منتقدا “جودة الأرقام الاقتصادية الرسمية”.
ويبين أن الأعباء الضريبية على المواطن الأردني جعلت الدخل يتآكل، خاصة في ظل ارتفاع الأسعار، وهو ما سينعكس مباشرة على القطاعات التجارية، ناهيك عن أعباء أخرى تدفع بأصحاب المحلات التجارية إلى الإغلاق مثل ارتفاع تكاليف الاقتراض.
وارتفع معدل التضخم السنوي لأكثر من 5.2 في المئة بنهاية أكتوبر الماضي، بحسب المراجعة الخامسة لأداء الاقتصاد الأردني، التي أعلن عنها صندوق النقد في نوفمبر الماضي.
ويوضح الصندوق أن أسعار السلع محليا تعتبر “معتدلة” مقارنة بالمستوى العالمي، ولكنها تعكس ارتفاعا في انتقال زيادة أسعار المحروقات والغذاء العالمية.
رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان، كمال العواملة، يرى أن ما يحدث في السوق العقارية في المملكة انعكاس للاقتصاد، إذ تراجع أعداد الشقق التي تم بيعها خلال 2022، مقارنة مع 2021، ولكن إجمالي المبيعات زادت بنحو 23 في المئة، ما يعني أن أسعار كل شيء ارتفعت.
وأوضح في تصريحات أنه “متفائل بحذر في 2023، إذ أن دخل المواطن ثابت ويتآكل، وتكاليف الإقراض زادت بشكل كبير، ما يعني حدوث تغييرات في الأولويات، ولهذا قد نجد العديد من العاملين في القطاع التجاري يغلقون أبوابهم، خاصة للمواد التي قد تعتبر كمالية”.
ويشير العواملة إلى أن بعض المواطنين الذين يمتلكون مدخرات قد يتخلون عنها ليس بغرض استثمارها في الاقتصاد، ولكن للإنفاق حتى يبقوا قادرين على البقاء ضمن مستوى الحياة الذي يريدونه، وعدم الانزلاق نحو الفقر.
وارتفعت نسب الفقر في الأردن لتصل إلى 24 في المئة، بزيادة تبلغ 6 في المئة عما كانت عليه سابقا، بحسب تقديرات تحدث بها وزير التخطيط والتعاون الدولي، ناصر الشريدة في أغسطس 2021.
وعزا الوزير أسباب زيادة نسب الفقر إلى تداعيات جائحة كورونا، فيما يتوقع البنك الدولي أن تزيد نسبة الفقر بنحو 11 في المئة عن المستويات الحالية بسبب كورونا.
وبحسب بيانات رسمية أعلنت عنه السلطات الأردنية في أبريل 2019، بلغت نسبة الفقر المطلق 15.7 في المئة، والتي تعادل ما يزيد عن مليون أردني، وذلك اعتمادا على مسح دخل ونفقات الأسرة الذي نفذ في 2017-2018.
وتفيد الأرقام الرسمية أن معدل الأجور الشهرية تبلغ 600 دولار والحد الأدنى للأجور 300 دولار.
ودعا المحلل الشوبكي الحكومة الأردنية لتجاوز الأزمة الاقتصادية “إلى المزيد من الحوكمة في السياسة المالية، وتخفيف النفقات غير الضرورية، خاصة وأن الحكومة تضع خططها وكأن المملكة دولة نفطية، لا كدولة مستوردة وتعتمد على المنح”.
وأكد أهمية تبني الدولة لسياسات مالية تتلائم مع “تراجع المنح”، والتحضير لسيناريوهات التعامل مع الأزمة الاقتصادية خاصة وأن المملكة في “مقدمة قائمة الدول التي ستعاني خلال 2023”.
ويقول البنك الدولي إن الاقتصاد الأردني وحتى من قبل جائحة كورونا كان “يواجه صعوبات بسبب استمرار تباطؤ ديناميكيات النمو والتحديات الهيكلية. وفي الفترة بين عامي 2016 و2019، إذ بلغ متوسط نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي نحو 2 في المئة، الأمر الذي لم يكن كافيا لخلق وظائف تستوعب قوة العمل الشابة في الأردن”.
ويضيف أن “ضعف أداء النمو في المملكة يعود في جانب منه إلى الصدمات الخارجية المتعددة التي شهدها الأردن في السنوات العشر الماضية ومن بينها الصراعات الإقليمية وتدفق قرابة 1.3 مليون لاجئ سوري يمثلون نحو 13 في المئة من إجمالي السكان داخل أراضيه”.
ويعول النائب أبو صعيليك على تحسن مؤشرات المملكة، خاصة وأن “بعثة صندوق النقد الموجودة حاليا في الأردن، تؤكد أن صحة الاقتصاد الأردني تسير نحو الأفضل”، وأنه رغم التحديات الاقتصادية “يتوقع أن تحقق المملكة نسبة نمو 2.7 في المئة خلال 2023، والتضخم سيكون 3.8 في المئة”، وذلك بحسب فرضيات الموازنة التي سيعلن عنها وزير المالية في جلسة نيابية الأحد المقبل.
ويتوقع أن المملكة خلال السنوات القليلة المقبلة، ورغم التحديات الاقتصادية التي يفرضها الاقتصاد العالمي، تطمح إلى جذب الاستثمارات وتحفيز الاقتصاد من خلال البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي والتي تضم مشاريع حيوية بتكلفة 10 مليارات دينار، والتي سيتم تنفيذها بالشراكة مع القطاع الخاص.
وبحسب مشروع قانون موازنة 2023، تتوقع الحكومة تحصيل إيرادات عامة تبلغ 9.5 مليار دينار، فيما تبلغ النفقات العامة 11.4 مليار دينار، ما يعني عجزا يقدر بأكثر من 1.8 مليار دينار.
وتتوقع الحكومة أن تبلغ الإيرادات الضريبية 6.6 مليار دينار، و2.1 مليار دينار إيرادات غير ضريبية، والحصول على منح خارجية تقدر بـ 802 مليون دينار.
ويقول صندوق النقد في مراجعته الأخيرة إن “المملكة أظهرت التزاما قويا بالاستمرار بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المدعوم من قبل الصندوق.. ومواصلة التقدم على المسار الصحيح”.
ويقترح رئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان، العواملة لتحفيز القطاع الخاص، وتحريك عجلة النمو إلى العودة لقرارات اتخذت سابقا في أعقاب أزمة 2008، عندما خفضت الضرائب والرسوم على مدخلات الإنتاج، إضافة إلى تخفيض تكاليف الإقراض للقطاع العقاري.
وأوضح أنه خلال تلك الفترات استطاعت الحكومة تحقيق فوائض كبيرة في الإيرادات الحكومية بسبب الحركة النشطة في بيع العقارات، مشيرا إلى أن العبء الضريبي على بيع العقارات في الأردن يصل إلى 30 في المئة بحسب دراسة أجريت قبل سنوات، منوها إلى أنه يتم إجراء دراسة حديثة حاليا إذ يتوقع أن تكون النسبة أعلى من ذلك.
وشدد العواملة على أهمية آلا تفكر الجهات الرسمية “بعقلية الجباية” مشككا أن تكون الحكومة قادرة على تحقيق معدلات النمو التي تطمح لها، والتفكير بسيناريوهات “محفزة وجاذبة للاستثمار” خاصة في ظل حالة “عدم اليقين” التي يعيشها الاقتصاد العالمي، ما قد يجعل “المملكة ملاذا وواحة للاستثمار”.
وكان صندوق النقد الدولي قد أعلن في ديسمبر تقديم شريحة جديدة من المساعدات للأردن بقيمة 343 مليون دولار بعد المراجعة الخامسة لبرنامج الدعم الجاري.
وترفع هذه الشريحة إلى 1.7 مليار دولار مقدار الأموال الممنوحة للأردن منذ بداية البرنامج عام 2020، بحسب تقرير نشرته وكالة فرانس برس.
ويقول نائب المديرة العامة للصندوق، كينجي أوكامورا في تصريحات سابقة إن “الانتعاش مستمر بفضل جهود السلطات. وبالنسبة للمستقبل، يجب أن تظل القرارات مركزة على استقرار الاقتصاد الكلي ودعم الفئات الأشد فقرا، مع القيام بإصلاحات لتحسين التوظيف والنمو والقدرة التنافسية”