وطنا اليوم:أصبحت أزمة “الغذاء العالمية المستمرة” واحدة من أصعب العواقب بعيدة المدى للغزو الروسي لأوكرانيا والذي ساهم في انتشار المجاعة والفقر والوفيات المبكرة حول العالم، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وانخفض عدد السفن المبحرة عبر مضيق البوسفور بمدينة إسطنبول التركية والذي يربط موانئ البحر الأسود بمياه أوسع، عندما غزت روسيا أوكرانيا قبل 10 أشهر وفرضت حصارا بحريا على البلاد.
وتحت الضغط الدبلوماسي، بدأت موسكو في السماح لبعض السفن الأوكرانية المحملة بالحبوب بالمرور عبر موانئ الحبر الأسود، لكنها استمرت في تقييد “معظم الشحنات”.
وفي الموانئ الأوكرانية القليلة العاملة، فإن هجمات الصواريخ والطائرات دون طيار الروسية على شبكة الطاقة الأوكرانية تؤدي بشكل دوري إلى “شل محطات الحبوب” حيث يتم تحميل القمح والذرة على السفن.
معاناة عالمية
تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات قياسية في 2022 في معاناة ملايين الأشخاص في جميع أنحاء العالم، وخاصة الدول الفقيرة في إفريقيا وآسيا التي تواجه بالفعل الجوع وسوء التغذية، وفقا لـ”رويترز”.
ومع حلول فصل الشتاء القارس وتكثيف روسيا الهجمات على البنية التحتية لأوكرانيا فإن الأزمة “تزداد سوءا”، وفي الوقت ذاته يتفاقم نقص الغذاء بسبب الجفاف في القرن الأفريقي والطقس القاسي بشكل غير عادي في أجزاء أخرى من العالم.
يقدر برنامج “الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة”، أن أكثر من 345 مليون شخص يعانون أو معرضون لخطر “انعدام الأمن الغذائي الحاد”، أي أكثر من ضعف العدد المسجل في عام 2019.
وتجد دول أخرى كبيرة مستوردة للغذاء مثل مصر ولبنان، صعوبة في سداد ديونها ونفقات أخرى بسبب ارتفاع التكاليف، حسب “نيويورك تايمز”.
وتلقت مصر ضربات عدة قاسية جراء الغزو الروسي لأوكرانيا، فقد كان لارتفاع أسعار الحبوب ضرر كبير عليها باعتبارها من أكبر مستوردي القمح في العالم، كما فقدت جزءًا كبيرا من السياح الأوكرانيين والروس الذين شكلوا 40 بالمئة من ثمانية ملايين سائح عام 2021، وفقا لـ”فرانس برس”.
وخسرت مصر كذلك قرابة 20 مليار دولار بسبب خروج “الأموال الساخنة” من سوق الأوراق المالية المصري بعد الحرب على أوكرانيا”.
وتهاوى النظام المالي للبنان، الذي كان سابقا ضمن فئة البلدان متوسطة الدخل، في 2019 مما أدى لانهيار في العملة تقول الأمم المتحدة إنه أدى إلى سقوط أربعة من كل خمسة لبنانيين في براثن الفقر، وفقا لـ”رويترز”.
ويدعم برنامج الأغذية العالمي وحده ثلث سكان لبنان البالغ عددهم ستة ملايين نسمة بالغذاء والمساعدات النقدية، في حين أن تكاليف العلاج والدراسة وحتى رواتب العاملين بالأجهزة الأمنية يمولها بنسبة كبيرة مانحون دوليون، حسب “رويترز”.
وحتى في البلدان الغنية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، أدى ارتفاع التضخم المدفوع جزئيا باضطرابات الحرب إلى حرمان الفقراء من الطعام، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.
وقالت مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، سامانثا باور، “من خلال مهاجمة أوكرانيا، سلة خبز العالم، يهاجم بوتين فقراء العالم، ويؤدي إلى زيادة الجوع في العالم عندما يكون الناس بالفعل على شفا المجاعة”.
تعطيل روسي متعمد؟
يشبه الأوكرانيون الأحداث بالمجاعة الكبرى، عندما دبر، جوزيف ستالين، مجاعة في أوكرانيا الخاضعة للحكم السوفيتي قبل 90 عامًا والتي أودت بحياة الملايين.
ويطرح تعطيل روسيا المتعمد لإمدادات الغذاء العالمية مشكلة جديدة، بعدما فرضت موسكو قيودا على “صادراتها”، مما أدى إلى زيادة التكاليف في أماكن أخرى، حسب “نيويورك تايمز”.
وأوقفت موسكو مبيعات الأسمدة التي يحتاجها مزارعو العالم، وقبل الحرب كانت روسيا “أكبر مصدر للأسمدة”.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الأسمدة على مستوى العالم، ما أدى إلى خسائر فادحة لصغار المزارعين خصوصا، وفقا لـ”فرانس برس”.
وكان لأعمال روسيا العدائية في أوكرانيا تأثير كبير على أزمة الغذاء، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.
ومن مارس إلى نوفمبر، صدرت أوكرانيا ما معدله 3.5 مليون طن متري من الحبوب والبذور الزيتية شهريا، وهو انخفاض حاد من خمسة ملايين إلى سبعة ملايين طن متري شهريا كانت تصدر قبل بدء الحرب في فبراير، وفقا لبيانات “وزارة السياسة الزراعية والغذاء الأوكرانية”.
وكان من الممكن أن تكون تلك الصادرات “أقل” لولا اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية من البحر الأسود، والتي أبرمت في يوليو من قبل الأمم المتحدة وتركيا وروسيا وأوكرانيا.
ونتجت مبادرة حبوب البحر الأسود وهو الاسم الرسمي لاتفاقية صادرات الحبوب من الموانئ الأوكرانية، من اتفاقية تم إبرامها في 22 يوليو، وساعدت في التخفيف من أزمة الغذاء العالمية التي سببتها الحرب، وفقا لـ”فرانس برس”.
لكن في الاتفاقية وافقت روسيا على السماح بالصادرات من ثلاثة موانئ بحرية أوكرانية، وتواصل موسكو إغلاق سبعة من الموانئ الثلاثة عشر التي تستخدمها أوكرانيا.
ولدى أوكرانيا 18 ميناء، لكن خمسة منها في شبه جزيرة القرم، والتي استولت عليها روسيا في عام 2014.
كانت الصفقة الأولية لمدة أربعة أشهر فقط، وهددت موسكو بمغادرة الاتفاقية، لكن تم تمديدها في نوفمبر لمدة أربعة أشهر أخرى.
وأكدت نائب مدير الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، إيزوبيل كولمان، أن أسعار المواد الغذائية العالمية ارتفعت بنسبة خمسة إلى ستة في المائة، عندما هددت روسيا بمغادرة الاتفاقية في أكتوبر.
وقالت: “إن آثار هذه الحرب مدمرة بشكل هائل، وبوتين يدفع ملايين الناس إلى براثن الفقر.”
وفي سياق متصل، وقالت سارة مينكر، الرئيسة التنفيذية لـ (Gro Intelligence) وهي منصة لبيانات المناخ والزراعة التي تتعقب أسعار المواد الغذائية: “إنك تنظر إلى زيادات أسعار كل شيء من 60 بالمائة في الولايات المتحدة إلى 1900 بالمائة في السودان”.
وقبل الحرب، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بالفعل إلى أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد بسبب الاضطرابات الوبائية في سلسلة التوريد والجفاف المتفشي.
يقول المسؤولون الأميركيون إن “الجيش الروسي تعمد استهداف منشآت تخزين الحبوب في أوكرانيا، ودمر مصانع معالجة القمح”، وهي جرائم حرب محتملة، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.
وبعد انتكاسات عسكرية عدة على الجبهة، تتبع القوات الروسية منذ أكتوبر تكتيك قصف البنى التحتية الأوكرانية ما يؤدي غالبا إلى انقطاع التيار الكهربائي والمياه على نطاق واسع، وفقا لـ”فرانس برس”.
وذهب العديد من المزارعين في أوكرانيا إلى الحرب أو فروا من أراضيهم، وتعطلت البنية التحتية التي كانت تصنع وتنقل القمح وزيت عباد الشمس إلى الأسواق الخارجية، حسب “نيويورك تايمز”.
وقبل الحرب، كان المزارعون يشحنون 95 في المائة من صادرات القمح والحبوب في البلاد عبر البحر الأسود.
وكانت إحدى المزارع تدفع ما بين 23 دولارا و24 دولارا للطن الواحد لنقل منتجاتها إلى الموانئ وعلى متن السفن، لكن التكلفة الآن زادت بأكثر من الضعف.
ويكلف الطريق البديل وهو عن طريق النقل بالشاحنة إلى رومانيا 85 دولارا للطن.
وقال مالك مزرعة ويدعى هوزينجا إن اتفاق تصدير الحبوب ساعد في تقليل التكلفة، لكنه يشتبه في أن موسكو تعيق عمليات النقل من خلال إبطاء التفتيش، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.
وبموجب الاتفاقية يجب فحص كل سفينة تغادر أحد الموانئ الأوكرانية الثلاثة على البحر الأسود من قبل فرق مشتركة من الموظفين الأوكرانيين والروس والأتراك والأمم المتحدة بمجرد وصول السفينة إلى إسطنبول.
وتظهر “بيانات الأمم المتحدة” أن معدل عمليات التفتيش قد انخفض في الأسابيع الأخيرة.
وتشير “نيويورك تايمز” إلى مخاوف المزارعين من ارتفاع أسعار الأسمدة هذا الشتاء، ما دفع العديد منهم لاستخدام كمية أقل من الأسمدة في حقولهم، وسيؤدي ذلك إلى انخفاض غلة المحاصيل في المواسم القادمة، مما يؤدي إلى ارتفاع جديد في أسعار المواد الغذائية