بلفور.. صاحب الوعدين  دور الملك عبدالله الاول في تعديل خارطة الوعد 

2 نوفمبر 2022
بلفور.. صاحب الوعدين  دور الملك عبدالله الاول في تعديل خارطة الوعد 

بكر خازر المجالي 

اول وعد لتوطين اليهود في فلسطين كان عام 1799 من قبل نابليون بونابرت في اطار خطة لاخراج اليهود من اوروبا وكذلك لمكافأتهم بسبب وقوف اليهود معه في حملته على الشرق وفلسطين ، وتتسلسل الاحداث وتتسارع باتجاه تنفيذ مخطط اوروبي للتخلص من اليهود ونقلهم الى اي مكان ،وتعددت اشكال التنفيذ وعقد المؤتمرات ، ولكن حين نستذكر صدور وعد بلفور بعد 105 سنوات وهو كان اخر هذه الوعود لا بد من نقرأ في تسلسل التنفيذ ، ونتساءل : 

اين كان العرب ومخطط  بلفور يمضي ؟؟ 

والسؤال الاخطر : كيف ساهم العرب في تنفيذ هذا المخطط المشؤوم ؟؟ 

ونسأل اين بناء الدولة الفلسطينية في الوقت الذي يمضي فيه بناء الدولة اليهودية ؟؟ 

هذه اسئلة تنطوي على اساسيات وجذور القضية الفلسطينية التي كانت جراحاتها نازفة وكان الرقص حول الجراح بالتنديد والهتاف والاتهامات .

وهل نحن الان في نقطة اللاعودة واستحالة الحل وعودة الحق ؟ 

ولكن حين نعود الى اصل وعد بلفور ، ففي عام 1903 كان بلفور نفسه رئيس وزراء بريطانيا واعط لليهود وعدا بالتوطين في ” كينيا “ 

ويهدف من ذلك منع هجرة يهود شرق اوروبا الفقراء الى بريطانيا . وقد وافق المؤتمر الصهيوني السادس على هذا المشروع بالاغلبية . وقد فشل هذا المشروع لكنه أحدث اختراقا حين اعقب التصريح قول بريطانيا :أن حكومة بريطانيا ليست فقط مستعدة أن تمنح تصريحا بل أن تمنح أرضا وتساعد في تأسيس وطن للصهاينة .

وكان هذا الوعد ضمن سلسلة الوعود الروسية والالمانية والفرنسية التي تسابقت في منح الوعد بقصد تخليص اوروبا من اليهود ، ويأتي اول وعد بلفوري عام 1903 للتوطين في كينيا ، وتتطور الاحداث مع نشوب الحرب العالمية الاولى لتنحرف بوصلة مكان تنفيذ التوطين لتتجه الى فلسطين مع صدور الوعد الثاني لبلفور الذي اصبح وزيرا للخارجية ، ولكن هذه المرة باهداف ذات ابعاد دينية مع تلون السياسة التي امعنت في عنصريتها وأصبحنا نحن نبرع في وضع التحليل والاهداف ولكن مع محدودية المعالجات ، وأخذ يكبر ويتحقق ونحن نقوم بالاحتجاج والثورات وقدمنا الشهداء وكانت الثورات الفلسطينية بحجم المسؤلية قوية وكان النضال الاردني لا يتوانى عن الانخراط مع الاخوة الفلسطينيين ، ولكن الامور هي  بنتائجها ؟؟؟ 

بعد 105 سنوات  نحن نعيش نتاج المؤامرة الكبرى على فلسطين من عام 1917 ، ومن ثم ذلك التنازع والتشتت الذي جعلنا في بحر متلاطم ، ولا زالت الاسئلة مفتوحة تبحث عن كشف المتهمين والمتواطئين في تنفيذ مخطط الشر ، ولا زلنا نبحث في معادلة الارض والسكان ونفارن في تدرج التزايد السكاني لليهود وارتفاع نسبتهم ، وازدياد انتقال الاراضي لهم ، ونقرأ في امتيازات صهيونية بدءا من مشروع روتنبرغ الذي بدأ عام 1921 ، وامتياز تجفيف بحيرة الحولة وغيرها .

لا نريد قراءة وعد بلفور الثاني في 2 تشرين الثاني 1917 ، فأصبحنا نحفظه عن ظهر قلب ، ولكن نريد أن نعرف ما هي اساليب مقاومة المشروع والتخفيف من ويلاته ، 

هل هناك من تأمل في خارطة وعد بلفور الاصلية ؟ 

كانت الخارطة تضم المنطقة بمسافة حوالي 20 كلم الى الغرب من نهر الاردن وتضم الجولان وجبل الشيخ وجنوب لبنان وحتى اجزاء من شمال الاردن . 

ولكن كيف انحسر الوعد فقط ليشمل فلسطين التاريخية ناقصا منطقتي الضفة الغربية وقطاع غزة ؟ 

كان لتأسيس الدولة الاردنية عام 1921 الفضل في ذلك ، حين اراد الملك عبدالله الاول اعلان استقلال الدولة الاردنية ووجد ان الارض الاردنية مشمولة بوعد بلفور ،فناضل من اجل تخليص الاردن منه ، ونجحت المفاوضات مع بريطانيا وعصبة الامم حينها بتعديل خارطة الوعد وخرجت كل اراضي شرق الاردن والجولان وجبل الشيخ وجنوب لبنان منها. ربما يحتاج الامر هنا الى الى دراسة مستفيضة للتوضيح . 

ولكن هنا نحن نقرأ في تاريخ وعدين لذات الشخص تعبران عن مخطط الشر على حساب اصحاب الحق الاصليين ، ومن ثم لنبدأ برحلة علاج السكين تاركين الجراح ينزف . 

وتاليا التسلسل للمشروع الاستعماري الصهيوني 

  1. عام 1799  ….  كانت اول دعوة ليهود العالم من قبل نابليون  للاستيطان في فلسطين اثناء حملته على الشرق ، وكان الدافع الرئيس له هو اخراج اليهود من فرنسا ، عدا لمكافأة لهم بسبب مشاركة يهود له في حملته على فلسطين ومصر . 
  2. عام 1841م ….. جاء تصريح بلفوري بريطاني على شكل رسالة من قنصل بريطانيا في دمشق ” تشارلز هنري تشرتشل ”  الى رئيس يهود بريطانيا ” موسس حاييم ” تضمنت خطة متكاملة لتوطين اليهود في فلسطين .
  3. عام  1860 … تأسست مستعمرات بريطانية في فلسطين لتوطين اليهود فيها ،لكنها بقيت فارغة وأدركت بريطانيا أن الوقت ليس ناضجا بعد . 
  4. في نفس الفترة عام 1860 … كان الصهاينة المسيحيون من امريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا،  يؤسسون مستعمرات متناثرة  في فلسطين تمهيدا لنقل اليهود من بلادهم ضمن خطة تفريغ بلادهم من اليهود . 
  5. عام 1890 … كان صاحب كتاب المسيح قادم ” وليم بلاكستون ”  كان هو محرك أول مؤتمر صهيوني تحت عنوان : “ماضي وحاضر ومستقبل اسرائيل ” وتم عقده في شيكاغو ،ودعا الى مؤتمر دولي لتمكين الاسرائيليين من استيطان فلسطين . 
  6. عام  1890 … بعد دعوة بلاكستون الى مؤتمر دولي لتمكين اليهود ،قام ذاته بتسليم عريضة تحمل تواقيع أكثر من 400 من قيادات المسيحية الصهيونية ومعه عدد من اليهود الى الرئيس الامريكي بنجامين هاريسون ، مما جاء فيها ” الآن يجب أن تعود فلسطين لليهود ” ، ولكن لم يصدر أي تعقيب او تصريح أمريكي . ولكن كان هذا قبل خمس سنوات من نشر  اليهودي الصيوني ثيودور هرتزل كتابه ” دولة اليهود ”  عام 1796م. 
  7. 1899 …. تصريح بلفوري الماني ،كان ذلك بأن قيصر المانيا فلهلم الثاني سيناقش صديقه السلطان العثماني عبدالحميد الثاني في أمر توطين اليهود في فلسطين ، لأن قيصر المانيا كان راغبا في افراغ المانيا من اليهود ، ولكن رفض السلطان عبدالحميد العرض الالماني وفشل المشروع . 
  8. 1903م …. صدر تصريح بلفوري روسي على شكل رسالة وجهها وزير داخلية روسيا القيصرية ” فون بليفيه ” الى هرتزل مفادها : تستطيع الصهيونية أن تعتمد على تأييد معنوي ومادي من روسيا.” وجاء في الرسالة نحن لا نريد التخلص من جميع  اليهود الروس ،نحن نريد التخلص من المعدمين والمضطربين . 
  9. 1903 م… صدر تصريح آرثر بلفور الاول حين كان رئيسا للوزراء في بريطانيا ، وتضمن مشروع توطين اليهود في كينيا ، ويهدف من ذلك منع هجرة يهود شرق اوروبا الفقراء الى بريطانيا . وقد وافق المؤتمر الصهيوني السادس على هذا المشروع بالاغلبية . وقد فشل هذا المشروع لكنه أحدث اختراقا حين اعقب التصريح قول بريطانيا :أن حكومة بريطانيا ليست فقط مستعدة أن تمنح تصريحا بل أن تمنح أرضا وتساعد في تأسيس وطن للصهاينة . 
  10. 1914 م …مع نشوب الحرب العالمية الأولى برز التفكير في فلسطين ، وبالتالي تتخلص بريطانيا من فائض اليهود وتؤسس دولة وظيفية تحرس مصالحها في موقع جغرافي استراتيجي كما تخدم الفكرة اللاهوتية بأن يعود اليهود لتأسيس مملكة الرب وعودة المسيح . 
  11. 1917م .. لم تنس فرنسا انها كانت المبادرة في عهد نابليون  بدعم الصهيونية سياسيا ، فأصدرت في إطار تنافس وتحالف مع بريطانيا تصريح بلفور الفرنسي في تموز 1917م “قبل اربعة اشهر  من تصريح بلفور البريطاني ،” ، على شكل رسالة من مستشار وزارة الخارجية الفرنسية “جولس كامبون ” الى القيادي الصهيوني “ناحوم سوكولو ” ،جاء فيها : بهدف تطوير استعمار يهودي في فلسطين سيكون من العدل المساعدة مع حماية من قوى الحلفاء لعودة وطن لليهود في الارض التي أخرج منها شعب اسرائيل منذ قرون عدة ماضية . 
  12. 1917 م… بعد مداولات دامت اشهر بعد تصريح بلفور الفرنسي ، كانت هناك صياغة جديدة الى أن صدر تصريح بلفور البريطاني الشهير في 2 تشرين الثاني 1917م على شكل رسالة وجهها وزير الخارجية البريطانية بلفور الى القيادي الصهيوني “ليونيل روتشيلد ” . حظي التصريح بمباركة كل القوى العظمى في حينها ،ومباركة العديد من زعماء العالم حتى أن بابا الفاتيكان بارك هذا الوعد ، واطلع الرئيس الامريكي “ودرو ويلسون ” على تصريح بلفور مرتين قبل إصداره ،وأبرق بالموافقة . 
  13. 1917 – 1948 م … كان تطبيق وعد بلفور بقوة السلاح البريطانية وبموافقة كل القوى الاستعمارية التي كانت تدرك مبكرا أن دولة يهودية في مكان لا أغلبية فيه لليهود يعني تحقيرا للعرب وتهجيرا للفلسطينيين من ارضهم المشروعة وقمعا لمن يبقى منهم ،وهو مشروع مناف لجميع حقوق الانسان والشرائع الدولية . 

خارطة وعد بلفور الاصلية