تلاوم ملحوظ بين المؤسسات الرسمية يسبق عاصفة قرارات وتحقيقات في حادثة اللويبدة

15 سبتمبر 2022
تلاوم ملحوظ بين المؤسسات الرسمية يسبق عاصفة قرارات وتحقيقات في حادثة اللويبدة

وطنا اليوم:شغف الأردنيين بمتابعة كل تفاصيل عملية الإنقاذ المعقدة التي أعقبت انهيار عمارة في حي اللويبدة وسط العاصمة عمان، يوحي مجدداً بأن ملف هذه القضية سيتدحرج على أكثر من صعيد، خصوصاً في الإطار السياسي والبرلماني والشعبي، مع بروز مبكر لظاهرة مطالبة الحكومة بإقالة نخبة من كبار المسؤولين عن هذا التسيب الإداري والقصور الذي اعترى مراقبة ما يسميه النقابي البارز المهندس عبد الله غوشة، بتآكل واحتمالات انهيار نحو 23% من الأبنية التي تصنف الآن باعتبارها قديمة.
وسارعت امانة عمان والتي تعتبر بمثابة المشتبه به الرئيسي بالتقصير الذي أدّى إلى انهيار بناية سكنية في منطقة جبل اللويبدة الى نفي التهمة عن نفسها والإشارة إلى أن مجلس بلدية العاصمة ومؤسساتها لا يتحملان اي مسؤولية جراء انهيار تلك البناية.
وأعلن عبر إحدى الفضائيات المحلية الناطق باسم امانة عمان العاصمة ناصر الرحامنة ان امانة بلدية العاصمة لا تتحمل اي مسؤولية جراء انهيار تلك البناية ووقوع ضحايا فيها مؤكدا في الوقت نفسه بان القضاء هو الذي يحقق في الموضوع وهو الذي سيحدد الجهات المسؤولة.
وفي حالة التعمّق والحفر تحت هذا التصريح يمكن التوثق من ان عملية التلاوم بين المؤسسات بدات مبكرا وحتى قبل استكمال جهود انقاذ الاردنيين او المواطنين العالقين من سكان العمارة تحت الانقاض فالامانة اعلنت عبر الناطق باسمها ليس فقط عدم تحملها اي مسؤولية خلافا للجو العام المشحون الذي يوجه لها أصابع الاتهام بالتقصير في متابعة صيانة ومراقبة الابنية المتهالكة او القديمة بل وجهت ضمنيا وبصورة غير مباشرة الاتهام الى لجان السلامة العامة التي قالت ان عددها يزيد عن 60 لجنة في البلاد.
وأدى انهيار البناية السكنية إلى وفاة 10 أشخاص وإصابة العديد في حصيلة غير نهائية في ظل استمرار عملية البحث عن ناجين بين الأنقاض. وأشار وزير الدولة لشؤون الإعلام، الناطق الرسمي باسم الحكومة فيصل الشبول، إلى «معلومات عن وجود 10 أشخاص ما زالوا تحت الأنقاض في المبنى المنهار في اللويبدة، منهم أشخاص أحياء».
غوشة أعاد التأكيد في تصريحات بأنه سبق أن حذر مع الخبراء في نقابة المهندسين من أن ملف الأبنية القديمة ينبغي أن يتابع، لكن هذه المتابعة واضح أنها لم تحصل.
نقابة المهندسين كشفت النقاب عن أنها فعلاً خاطبت رسمياً بلدية العاصمة ووضعت إمكاناتها بين يديها للمساعدة في فحص الأبنية القديمة، وهي خطوة تظهر بأن التكلس كبير في إدارة بلدية العاصمة، وستعني الكثير في التداعي السياسي لاحقاً، خصوصاً أن حدثاً مثل انهيار بناية سكنية في أزقة ضيقة غير مسبوق، والأخطر أنه يمكن أن يتكرر وتحديداً في مدينتي عمان والزرقاء حيث الكثافة السكانية مرتفعة جداً.
وإلى أن يتسنى البدء ثم الانتهاء من التحقيقات الشمولية بالمعنى الجنائي والقانوني ولاحقاً بالمعنى البيروقراطي والسياسي، يمكن مبكراً القفز إلى استنتاجات محددة بخصوص الكلفة السياسية وانعكاساتها على الحكومة الحالية غير المحظوظة، برئاسة الدكتور بشر الخصاونة، عندما يتعلق الأمر بثالث حادث مؤسف من نوعه، الأمر الذي بدأ مع حادثة مستشفى السلط الشهيرة، ثم حادثة صهريج الغاز في العقبة، وأخيراً حادثة انهيار البناية.
إنه، بإجماع المراقبين، الإنذار القاسي الثالث على مشكلات وتحديات الإدارة العامة، وسط إقرار الخصاونة بأن الوضع معقد عموماً، والحكومة تتعامل مع التفاصيل. ورغم أن وزارة الخصاونة في مسألة القصور الإداري تدفع ثمن مجازفات حكومات سابقة وتسعى لإصلاح المشهد قدر الإمكان، إلا أن كلفة الجدل السياسي الناتجة عن أحداث موجعة ودرامية وأحياناً مفجعة من هذا النوع لا يبدو أنها تقف عند أي حدود، خصوصاً أن الإجماع حاصل بين نخب الدولة والقرار الرسمي وحتى في المستوى السيادي على أن الإدارة العامة تترنح وتتراجع بنسبة كبيرة أصبحت تشكل خطراً يفتك بالأردنيين في بعض الأحيان، مع أن مفردة التراجع وبرأي المحلل السياسي الدكتور عامر السبايلة، لا تكفي لوصف ما يجري؛ فالمفردة الأكثر دقة في عكس الواقع -برأي السبايلة – قد تكون الانهيار، عندما يتعلق الأمر بالأداء العام، مع الإشارة إلى أن التركيز على القشور ليس حلاً ولن يكون.
بكل حال التلاوم الان هو اسوا ما يمكن ان يشاهده المواطن الاردني بين المؤسسات الرسمية بعدما صدم حادث البناية جميع الاوساط وتسبب في تداعيات شعبية وبيروقراطية وسياسية على الارجح لاحقا وقضائية ايضا حيث أوقفت النيابة ثلاثة من العاملين في العمارة وبينهم مالكها والمشرف عليها واحد الفنيين فيما بدات تتوسع التحقيقات بعد انتشال المزيد من الجثث واحتمالية وجود سبعة جثث على الاقل الان تحت الانقاض.
تصريح أمانة عمان بالخصوص هو حالة هروب الى الامام وأغلب التقدير ان بلدية العاصمة تحاول تخفيف الضغط الشعبي عليها اليوم خصوصا وان الدعوات كانت مبكرة من أمس الأول وبعد حادثة انهيار البناية بشكل مبكر باتجاه المطالبة باقالة كبار مسؤولي بلدية العاصمة.
لكن التصريح المبكر وقبل ان يقول القضاء كلمته بالإشارة إلى لجنة السلامة العامة التابعة للداخلية هو مؤشر حيوي على أن التلاوم يحصل الان بين مؤسسات القرار التنفيذية ويمكنه أن يتطور لاحقا مع استمرار التحقيقات القضائية او مع اقتراب لحظة المحاسبة السياسية في حال تطبيق بنود المسؤولية الاخلاقية والسياسة.
وعليه يزيد الاحتقان الاداري والبيروقراطي بين الأردنيين بسبب حادثة جبل اللويبدة التي فتحت آفاقا الآن لتغيير نمط ولتحديث إدارة الامور بطريقة لا تتسق فقط مع إصدار وثائق مرجعية تتحدث عن التمكين والتحديث فيما تبقى مشكلة وتحديات القطاع العام والادارة العليا في مؤسسات الدولة هي الأساس حيث التقصير والخمول والكسل وعدم المتابعة وعدم وغياب التحفيز والثواب والعقاب الإداري مشكلات متزمتة ومزمنة الآن لا بد من معالجتها