وطنا اليوم:مرت أشهر قليلة على راحة بغداد من الحواجز الكونكريتية، التي كانت تقطع أوصالها، تحسبا للهجمات الإرهابية، لتعود تلك الحواجز بفعل الأزمة السياسية الراهنة.
ومنذ مطلع الشهر الجاري، اقتحم آلاف من أتباع مقتدى الصدر، المنطقة الخضراء، وسط بغداد، وأقاموا اعتصاما مفتوحا في مبنى البرلمان، فيما اعتصم أنصار الإطار التنسيقي في منطقة الجادرية، ضمن أزمة سياسية طاحنة، تمتد منذ 10 أشهر.
واعتادت القوات الأمنية العراقية استخدام الحواجز الكونكريتية، خلال السنوات الماضية، لقطع الطرق ومنع هجمات التنظيمات المتطرفة، فضلا عن استخدامها في غلق بعض المناطق تحسبا من دخول المحتجين إليها في عدة مناسبات، مثل تظاهرات عام 2019.
وبفعل وجود الكثافة البشرية في المنطقة الخضراء والمدن المحيطة بها، لجأت القوات العسكرية إلى نشر مئات الحواجز الكونكريتية، في عدة مواقع، مثل الأمانة العامة لمجلس الوزراء وقرب مجلس القضاء الأعلى ومبنى مجلس النواب.
إجراء وقتي
مصدر في قيادة العمليات المشتركة العراقية، قال إن “الغرض من تلك الحواجز إبعاد المتظاهرين عن بعض المناطق الحسّاسة التي لا ينبغي أن يكونوا عندها، وقطع الطرق الواصلة إلى مقار الحكومة الرئيسية، وهو إجراء وقتي، إذ يمكن إزالة بعض تلك الحواجز بعد انتهاء الاعتصامات الحالية”، مشيرا إلى أن “حركة المرور في داخل المنطقة الخضراء لم تتأثر بتلك القطوعات، لأنها بعيدة عن الشوارع الرئيسية”.
المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أكد أنه “لا يمكن استخدام القوات الأمنية في غلق بعض الطرق، وإنشاء مرابطات لما تحتاج إليه من دعم لوجستي، لذلك يتم اللجوء إلى هذا النوع من الإجراءات، إذ أعادت القوات الأمنية عشرات الحواجز لغاية الآن، مع انطلاق التظاهرات، ومن المتوقع خلال الأيام المقبلة اتخاذ إجراءات أكثر احترازية”.
وتركزت اعتصامات أنصار مقتدى الصدر، في المنطقة الخضراء، شديدة التحصين، وهي تقع على الضفة الغربية من نهر دجلة الذي يشطر بغداد إلى جانبين؛ هما الرصافة – الشرقي، والكرخ – الغربي، وفي الجهة الثانية للنهر أحياء الباب الشرقي والبتاوين والكرادة الشرقية.
استياء شعبي
في قبالة ذلك، عبر مواطنون عراقيون عن استيائهم وانزعاجهم من عودة تلك الحواجز إلى شوارع ومدن العاصمة، بعد أن تخلصت منها على مدار السنتين الماضيتين، خاصة مركز العاصمة، مثل المنطقة الخضراء، وما حولها، لتضيف عبئا آخر على الساكنين هناك وتفرض عليهم خارطة طريق محددة.
أبو محمد العبيدي (50 عاما) من ساكني المنطقة الخضراء، في العاصمة بغداد، أكد أن “الوضع مقلق، والتحركات الأمنية متسارعة، مع عودة حواجز التفتيش في بعض الشوارع، وعودة الحواجز الكونكريتية، فضلا عن الإجراءات المشددة ليلا فيما يتعلق بالدخول والخروج لبعض الشوارع التي تضم منشآت حكومية أو مقرات”.
العبيدي وخلال حديثه قال إن “حالة من الارتياب تسود أجواء بغداد بسبب العدائية السياسية وحالة المجهول التي نتجه إليها وغياب الحلول في الأفق وتمسك جميع الأطراف بموقفهم، فضلًا عن عودة الإجراءات الأمنية القديمة، وهو ما يعطي مؤشرا واضحا عن واقع المدينة التي تعبت كثيرا”.
ومنذ توقف العمليات العسكرية ضد تنظيم “داعش”، نهاية العام 2017، بدأت القوات العراقية حملة واسعة لفتح الطرق المغلقة، وإزالة حواجز الكونكريت التي كانت تخيم على أجواء العاصمة بغداد.
ولجأ بعض سكان العاصمة بغداد إلى إقليم كردستان لقضاء عطلة الصيف والهرب من واقع العاصمة، في ظل الانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي وتصاعد الخلافات السياسية.
من أصعب القرارات
بدوره، يرى المدير التنفيذي لمؤسسة نما الإعلامية، رحيم الشمري أن “عودة الحواجز الكونكريتية من أصعب القرارات على نفسية المواطن العراقي، وكذلك من أسوأ القرارات التي تتخذها المؤسسة العسكرية، خاصة أن هذا الأسلوب من العمل لم يثبت نجاحه، ويمكن تجاوزه بسهولة”.
“وأضاف: “لا يمكن مواجهة المتظاهرين، بمثل تلك الحواجز، وستؤسس لعزلة كبيرة بين المسؤولين والمواطنين، بل وستؤثر على نفسية المواطن، وتعطي صورة عن ظلامية الحياة، في ظل الأوضاع السياسية المعقدة”.
المجموعة المستقلة للأبحاث، وهي الممثل الوحيد، لمركز غالوب الدولي، في العراق، أجرت استطلاعا نشرته قبل أيام، تحدث عن أن 17 بالمئة فقط من العراقيين يعتقدون بأن بلادهم يسير بالاتجاه الصحيح، وهو ما يعطي مؤشرا عن نظرة غير متفائلة تسود لدى العراقيين بشأن مستقبل بلادهم