“التوجيهي”… أحاديث عن تغيير آلية الامتحانات وشكوك تربوية

22 أغسطس 2022
“التوجيهي”… أحاديث عن تغيير آلية الامتحانات وشكوك تربوية

وطنا اليوم – رصد –  طالما شكّل امتحان الثانوية العامة “التوجيهي” كابوساً لآلاف الطلاب وأسرهم في الأردن، علماً أن أكثر من 200 ألف طالب شاركوا في امتحانات العام الدراسي الحالي، إذ تشكل نتيجتها المعيار الوحيد لقبول الطلاب في الجامعات الحكومية والخاصة. 

وأعلنت وزارة التربية والتعليم مؤخراً أن نظام امتحان الثانوية العامة “قضية تؤرق أصحاب القرار، ولا بدّ من أن تخضع لإعادة نظر، لأنها لم تعد تقيس قدرة الطالب على الإطلاق”. وتوقعت “تعديل آليات التوجيهي خلال العامين المقبلين، من أجل جعل معدله وسيلة للقبول الجامعي، وليس لتحديد التخصص، وأن يخضع الطلاب لسنة تحضيرية في الجامعات تؤهلهم لدخول التخصصات بحسب قدراتهم وميولهم”. 

ويتكرر الحديث عن تغيّر آلية ونظام امتحان “التوجيهي” منذ عشر سنوات على الأقل. وتطرأ عليه تعديلات شكلية أحياناً، لكن الجوهر يبقى على حاله، وكذلك انتظار الجميع أن يقل قلق التوجيهي على الطلاب والأهالي في المستقبل.

وهكذا لا يستبعد الخبير التربوي ذوقان عبيدات، في حديثه لـ “العربي الجديد” عدم إجراء تعديلات حقيقية على امتحان “التوجيهي”، ويتخوف أيضاً من حدوث تعديلات قد تجعله أكثر سوءاً. ويقول: “لا يذهب جميع كل من يقدم امتحان التوجيهي إلى الجامعة، ولا يجب أن يكون معدل علاماته المقياس الوحيد للقبول في الجامعات. كما ليس جيداً أن الامتحانات الحالية تعتمد في شكل كبير على الحفظ والتلقين، وأنه رغم تقاليدنا ونجاحاتنا لم نستطع إعداد اختبارات تقيس ما يجب قياسه من أهداف التعليم، فنحن نقيس فعلياً ما لا قيمة له، ولا علاقة له بأهداف التعليم في بناء الشخصيات”. 

ويدعو بالتالي إلى “تطبيق امتحان توجيهي لا رسوب ولا نجاح فيه، ويمهد لإعطاء كل طالب كشفاً بالعلامات التي حصل عليها، والذي يذهب به إلى حيث يريد. وهكذا تلغى تلقائياً نسب النجاح والرسوب، ما قد يقلل التوترات المرتبطة بالنجاح وحالات الغش، والصراعات والتنافسات ووصمات الفشل المؤثرة اجتماعياً”.

أما المنسق العام لحملة “ذبحتونا” الوطنية من أجل حقوق الطلاب فاخر دعاس فيقول لـ”العربي الجديد”: “تندرج تصريحات وزارة التربية والتعليم الخاصة بتغيير امتحان التوجيهي في إطار تقديم ذرائع لاعتماد سنة تحضير في الجامعات بحجة أنه يؤرقها قبل الطلاب. وتقترح الوزارة إجراء امتحان أولي لدخول الجامعة، ثم امتحان ثانٍ بعد عام لاختيار التخصص الجامعي، ما يزيد قلق الطلاب وأهلهم. ويعني ذلك أن البديل ليس أفضل من الحالي”. يضيف: “تنتقد وزارة التربية والتعليم عدم قياس امتحان التوجيهي الكفاءة والفوارق بين الطلاب، لكنها مسؤولة عن هذا الأمر، ما يعني أن الفشل يرتبط بها وليس بالامتحانات”. ويشدد على أن “التوجيهي هو الامتحان الوحيد الذي يحظى بثقة الأردنيين، ويتميز على الأقل بالحفاظ على الحد الأدنى من النزاهة المطلوبة، فيما تشهد جامعات محسوبيات وواسطات تنعكس على اختبارات القبول التي تجريها”. 

ويحذر من أن “عناوين التصريحات الصادرة من الجهات الرسمية تخفي وراءها رغبة في رفع رسوم الجامعات”، داعياً إياها إلى الحديث مباشرة عن الموضوع، من دون “تدمير” امتحانات “التوجيهي”. ويشير إلى أن “وزارة التربية والتعليم وضعت خطة بحثتها الحكومة لتعديل امتحان التوجيهي، لكن استناداً إلى معلومات غير موضوعية ومعطيات غير دقيقة”.

ويرى أن “لا خيار منطقياً آخر لقياس قدرات الطلاب غير الامتحان التوجيهي الذي تجريه غالبية دول العالم. وكل المدارس الدولية في الأردن لديها امتحان مماثل، علماً أن القلق لا يرتبط بالتوجيهي الأردني فقط، بل بكل الامتحانات المشابهة”. 

ويتحدث عن أن أكثر الطلاب تميزاً في الجامعات هم الطلاب المتفوقون في التوجيهي”.

من جهتها، تقول أستاذة علم النفس التربوي الدكتورة خولة القدومي لـ”العربي الجديد” إن “الامتحان الحالي للتوجيهي يقيس المعرفة وليس الفهم، والمعلومات وليس التحليل. وهو قد يعطي نوعاً من الدلالة على مستوى الطلاب، لكن ليس كل المؤشرات، فبعض الطلاب يحصلون على علامات عالية، لكنهم يفشلون في الحياة وحتى في الدراسة الجامعية، والحل المنطقي والسليم أن يكون الإعداد لمرحلة الثانوية في وقت مبكر، أي منذ دخول الطالب إلى التعليم في مراحله الأولى، ما يعني إعداد الطفل للحياة، وليس فقط للدراسة الجامعية”.

وتتابع: “تحاول وزارة التربية والتعليم إعادة النظر بآلية الامتحان، وهذا أمر جيد لكنه يحتاج إلى وقت، وإلى وضع الوزارة خطة استراتيجية لتنفيذه، وليس الاكتفاء فقط بالحديث والعمل بوتيرة سريعة لتغيير الامتحان، باعتبار أن الإعلانات الكثيرة والبهرجة تؤثر سلباً على الأهل والطلاب”. وترى أن “التغيير أمر جيد ومطلوب، ففي عام 2023 لا يجب أن تبقى الاختبارات كما كانت عام 1970. ويجب أن يأتي هذا التغيير تدريجاً ومن الميدان التربوي نفسه. وقد عقدت لجان كثيرة مؤتمرات لتطوير امتحان الثانوية العامة، لكن توصياتها بقيت في الأدراج، وترافقت مع إنفاق أموال على ورش تربوية احتضنتها فنادق”. 

وتلفت القدومي إلى “مشكلة تتعلق بالتعليم المهني في الأردن الذي يجرى الحديث عنه في شكل سلبي باعتباره يستقبل الطلاب ذوي المعدلات الأقل في المدارس، وهو ما يحصل منهم بلا رغبة وفي شكل اجباري، فيما المطلوب تقديم نظرة إيجابية للتعليم المهني، وإخضاعه للمهارات والرغبة”. وتصف “التوجيهي” بأنه “خيار لا بديل عنه، والمعيار الأفضل حالياً رغم السلبيات التي يتضمنها، علماً أنه لا يمكن في أي حال تنظيم امتحان قبول جامعي من دون تمهيد أو تصنيف”.

وتؤكد أهمية وجود تفكير استراتيجي للخطط التربوية، ومناهج تتلاءم مع احتياجات الطلاب، خاصة في ظل التطوّر التكنولوجي الحاصل، والتركيز على كيفية التعلم، وليس نوع العلم. كما من الضروري إعادة النظر بآلية التصحيح في التوجيهي ومعايير الإجابات النموذجية، وإعطاء تقدير مناسب لطريقة التفكير والإبداع في الإجابات عن الأسئلة. والكتاب ليس مقدساً في العصر الحالي، فالطالب يحصل أحياناً على المعلومات من مصادر مختلفة تكون أكثر عمقاً من الكتاب المدرسي”.

العربي الجديد