فوضى الأرقام وواقع التعليم

6 ديسمبر 2020
فوضى الأرقام وواقع التعليم

 

شروق طومار

أحيانا، تتبدى المعارك الجانبية بصفتها نظرية مؤامرة إذا تم إشغال الرأي العام بها على حساب الجوهر. مقدمة حادة هذه التي أوردها هنا، لكن، حين التفكير باللغط الكبير الذي دار حول استطلاع اليونيسف الأخير لقياس دخول الطلبة لمنصة درسك، لا بد لنا أن نرى الضرر الكبير الذي لحق بعقلانيتنا في تقييم عملية التعليم عن بعد بحصرها فقط في عدد الداخلين إلى المنصة.

الدخول إلى المنصة لا شك أنه يشكل معيارا جيدا لقياس مدى التزام الطلبة بالتعليم، ومدى قدرتهم على الوصول إليه، غير أنه سيظل معيارا منقوصا، وربما مراوغا حين ننظر إلى انعدام أدوات الوزارة في تأكدها من حصول الطالب على التعليم الحقيقي، لا مجرد دخوله المنصة، والذي يكفي تسجيله فيها مجرد إدخال بيانات الطالب بواسطته أو حتى بواسطة غيره.

رأينا كثيرين ممن يسجلون دخولهم وقت الدرس ثم يتركون الشاشات مباشرة من دون أن يأبهوا لأي شيء يعرض على المنصة. ربما هذا ما نتحدث عنه هنا، وبعبارة أكثر دقة؛ ما الذي تملكه الوزارة من آليات لتتأكد من أن الطلبة يستفيدون فعلا من الفيديوهات التي تعبت على مدار أشهر في إعدادها، وكلفت خزينة الدولة مبالغ لا يمكن غض الطرف عنها في ظل أوضاع اقتصادية حرجة تمر بها البلاد.

في العملية التي تتم اليوم، وضمن ما يتم تقديمه، لا بد من أن يخطر في ذهننا بأن توفير الفيديوهات التعليمية من قبل الوزارة جاء لمجرد «إخلاء الطرف» وكأنما تقول: هذا هو تعليمنا وعليكم بالالتزام!

لو كان الأمر بمثل هذه السهولة لما تم التأسيس للنظم المدرسية حول العالم بما تشتمل عليه من غرف صفية ومعلمين وخطط ومناهج، ولظل التعليم قائما كما كان في العصور الوسطى وما قبلها على أيدي الشيوخ ومعلمي الكتاتيب وخدام ومرافقي العلماء.

هذا الأمر تخطته البشرية منذ أكثر من قرنين، وأسست لمنظومات تعليمية متكاملة بحيث لم تترك شيئا للصدفة. وهذا أيضا لا يقلل من القفزة الثانية التي حققتها البشرية في التعليم وهو ما يمكن تسميته التعليم عن بعد أو التعليم الذاتي، خصوصا مع الثورة الهائلة في مجال الاتصال والتواصل، بما يتطلبه ذلك من إرساء منظومة تعليمية جديدة وشكل جديد للتعليم.

إن واحدا من أكثر الأوجه ضبابية للعملية التي أدارتها الوزارة خلال الأشهر الأخيرة، هو إصرارها على مركزية إدارة عملية التعليم عن بعد، وهي مركزية همشت مديريات التربية كما همشت المعلم نفسه بعد أن استبدلته بفيديوهات صماء لتقصيه إقصاءً كاملاً.

في جميع منظومات التعليم وحتى البدائية منها قبل مئات السنوات، لم تجرؤ أي جهة على تغييب المعلم، فهو ظل دائما أساسا لقيادة الطالب نحو استشراف المعرفة، وأيضا ظل أساسا لتقييم القدرات المختلفة لدى الطلبة.

ما تقترحه وزارتنا اليوم يبتعد كثيرا عن هذا الدور، ويضع المعلم بلا أي أدوات وبلا أي فائدة وبلا أي وجود في خطوة استعلائية كبيرة من الوزارة تجاه المعلم، وكأنما تؤكد عدم وجود أي قيمة أو فائدة له!

فهل تهدف الوزارة حقا من هذه الممارسة إلى هدم دور المعلم وأدواته؟

نحن لا نؤمن بذلك، ولكن مجرد ورود فكرة كهذه للأذهان هو فعلا أمر قاسٍ جدا، وربما يكون قادرا على هدم جميع ما حققناه من ميزات في منظومتنا التعليمية الخاصة بنا.

في الجهة الأخرى، ألا يشكل سلوك الوزارة استعلاءً على الطلبة أيضا حين تضعهم جميعا في سلة واحدة وتتعامل معهم بـ»القبان» دون أي نظر إلى الفروقات بينهم في القدرات والمهارات والذكاءات والميول عندما تعرضهم لنفس المحتوى وتمرره إليهم بنفس الآلية ثم تخضعهم لنفس التقييم؟

هو سؤال استفهامي وليس استنكاريا، بمعنى أننا نريد إجابة له من الوزارة لكي نشعر بطمأنينة حقيقية.

طرحت استفسارات واستفهامات عديدة في هذا المقال، وهي تعبير حقيقي عما يطرحه خبراء تعليم، وأيضا عما يدور في بيوت أردنيين يتورطون اليوم بكامل عملية تدريس أبنائهم.

لا أتبنى أي وجهة نظر، غير أنني أتساءل كغيري: إلى أين تقودنا الوزارة في هذه العملية المربكة والغامضة؟