وطنا اليوم:تعيش مدينة البهجة مراكش ركودا اقتصاديا كبيرا بعد أن أغلقت أبوابها أمام السائحين الأجانب وأبناء البلد بسبب الإجراءات الاحترازية المتخذة ضد وباء كورونا، ليتأثر شريان الحياة في “المدينة الحمراء”.
وتصبح ساحة “جامع الفنا”، التي تعتبر أكبر نقط تلاقي السكان المحليين والأجانب من مختلف بقاع العالم في مراكش وحيث تنشط التجارة، مهجورة إلى أجل غير مسمى.
أما المراكشيون، فقد غابت عنهم الابتسامة وخفة الدم بعد أن أثقلتهم الديون وقلة الحيلة.
شهادات من قلب الأزمة
يقول المرشد السياحي، الحسين: “لم نشتغل منذ شهر مارس الماضي، توقفت السياحة فتوقف نشاطنا وتأثرت أرزاقنا”.
ويضيف أنه كان يرشد العشرات من السياح أسبوعيا قبل انتشار وباء كوفيد-19، مما يشكل له دخلا محترما. ولتدبير الأزمة قدمت له بحسب قوله بعض المساعدات المادية من الدولة والجمعيات المحلية الناشطة في تنظيم الرحلات.
ويستطرد: “كنت أقوم رفقة أخي بتأجير شقق مفروشة، لم يمضي علينا صيف أصعب من هذا الذي ودعنا، لم نؤجر شققنا ولا ليلة واحدة في حين وخلال نفس الفترة من السنة الماضية لم تفرغ يوما واحدا”.
أما إلياس، صاحب دور ضيافة، فتعب من التفكير في الفواتير غير المدفوعة لمستحقيها، وأوضح قائلا “لم أدفع فاتورة الكهرباء لأكثر من خمسة أشهر، الفواتير تصل قيمتها إلى 1000 يورو. قمت بتسريح العاملين، فالدار لم يزرها أي سائح سواء من داخل مراكش أو خارجها، الكل خائف”.
أما سائق التوك توك عبد الجليل، الذي يعاني من إعاقة جسدية، فقال بصوت يملأه الحزن: “أحمد الله أنني أسكن وأبنائي الثلاثة في منزل أبي، لست أدري ماذا كان سيكون حالي لو كنت مستأجرا، فحتى الكتب المدرسية لم أستطع اقتناءها لأطفالي خلال الدخول المدرسي. لا أنكر أنني أشتغل في مهنة غير مهيكلة لكنها كانت تغنيني عن السؤال.”
ويكمل حديثه قائلا “كنت أنقل السياح من ساحة جامع الفنا إلى الرياض حيث يقطنون أو إلى بعض المتاحف المتواجدة في الأزقة الضيقة التي يصعب دخول سيارة الأجرة إليها، كانت تصل أجرة التوصيلة إلى 7 يورو، اليوم لا أملك إلا مساعدة الدولة التي لا تتعدى 120 يورو. حاولت تغيير حرفتي طيلة مدة الحجر الصحي، بعت العنب مؤخرا ولم أنجح في ذلك، التجارة ليست ملعبي”.
ويوضح الباحث في المجال السياحي، الزوبير بوحوت، في تصريح لموقع أن هذه الأزمة ظهرت تجلياتها بشكل كبير على سكان مراكش لأنها تستحوذ على نسبة كبيرة من الطاقة الاستيعابية للمغرب في ميدان الفندقة.
وبلغة الأرقام، يقول بوحوت “يتوفر المغرب إلى حدود سنة 2019 على 135 ألف غرفة مصنفة، 30% منها تتمركز في مراكش، كما أن المغرب استقطب خلال نفس السنة ما يقارب 13 مليون سائح، من بينهم 3 ملايين استضافتهم مراكش. وفي نفس الفترة، حصلت المدينة الحمراء على أكثر من 8 ملايين ليلة سياحية من أصل 25 مليون سجلت على الصعيد الوطني، وهذا ما يفسر بشكل واضح كون مراكش تعتبر اليوم بؤرة الأزمة السياحية”.
وفي شق آخر، يشرح الباحث في المجال السياحي أن الأزمة لم تمس فقط جانب الفندقة، فقد تضررت أيضا دور الضيافة، المطاعم، وكالات السفر، الإرشاد والنقل السياحي. وبالتالي يمكن القول إن أكثر من 100 ألف شخص عامل في المجال بشكل مباشر توقفت أنشطتهم.
ويضيف” لا يمكن أن ننكر كذلك تضرر قطاعات أخرى لها ارتباط بالسياحة، كقطاع الصناعة التقليدية الذي من المؤكد أنه تأثر بفعل إقفال محلات البازارات والزرابي”.
مراكش تستغيث
قام ناشطون في القطاع السياحي بعدة اعتصامات لدعوة السلطات إلى وضع حد لمعاناتهم. كما رفعوا لافتات كتب عليها “لن يتمكن كورونا من قتلنا فالجوع سيتكفل بذلك قبله”. ووجهت الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي لإنقاذ المدينة وتخفيف القيود وفتح الحدود أمام السياح.
وفي رسالة وجهتها الجامعة الوطنية للصناعة الفندقية إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، طالبت الجامعة الخطوط الملكية المغربية بتوفير المزيد من الرحلات إلى مراكش وأغادير وفاس وطنجة، مع رفع الحواجز بين المدن لتجاوز الأزمة التي إن لم يتم معالجتها في أقرب الآجال، ستفلس المؤسسات الفندقية وسيتم تسريح المزيد من العاملين فيها بحسب مضمون الرسالة دائما.
بوادر أمل
يقال أن بداية الغيث قطرة، عشية يوم السبت 10 أكتوبر، استقبل مطار مراكش المنارة الدولي أول رحلة سياحية بعد 7 أشهر من توقف الرحلات الجوية. على متن طائرة تابعة للخطوط الملكية المغربية تحمل 160 سائحا قادمين من العاصمة الفرنسية باريس.
كما أعلن المكتب الوطني المغربي للسياحة عن استئناف شركة الطيران المنخفض التكلفة “ريان إير” رحلاتها الجوية من وإلى المغرب انطلاقا من يومه الأحد 11 أكتوبر.
أما على الصعيد المحلي، لعل آخر المبادرات كانت عودة العربات السياحية المجرورة بواسطة الخيول خلال الأيام القليلة الماضية لتجوب المناطق السياحية بالمدينة. وتأتي هذه العودة بمساعدة مبادرات جمعوية لمواطنين وسياح ومقيمون أجانب بمراكش.