الأردن الجديد : هيئة شؤون المستقبل في مجلس الأمن القومي  ؟ 

11 يونيو 2022
الأردن الجديد : هيئة شؤون المستقبل في مجلس الأمن القومي  ؟ 

د. ابراهيم عيسى العبادي 

خبير الشؤون الاستراتيجية والأمنية 

رئيس المركز الوطني للقيادة والتنمية 

لا بد أن ندرك بداية أنه ومع سرعة التغييرات التي تواجهها الدول اليوم ؛ فإن هناك الحاح متزايد للدول و الحكومات للاستثمار في بناء نهج تعاوني ومنهجي للاستعداد للمستقبل . والسؤال الذي يلح به منطق الفكر والعقل : ما هي الضرورات اللازمة لهيئة او وحدة شؤون المستقبل في مجلس الأمن القومي ؟ 

اليوم الدولة والحكومة والمجتمع مجتمعين؛ ندخل منطقة مجهولة كغيرنا ؛ عالم جديد تحتاج فيه الحكومات وقادة الأعمال والمجتمع العلمي والمواطنون الى العمل معا لتحديد المسارات اللازمة لتحسين الحالة القائمة وتقليل المخاطر للمساعدة في الاستعداد للمستقبل . اليوم أصبحنا بأمس الحاجة بالفعل لهيئة  او وحدة تعنى بقضايا المستقبل الاستراتيجية مع تفويض للتفكير على المدى البعيد جدا بالشكل الذي ستكون عليه الدولة ؟ إنه التفكير بالتحول الاستراتيجي بالشكل الذي يجب أن تكون عليه الدولة  في المستقبل . 

نحن اليوم في عالم شديد التنافسية ؛ لا تستطيع أي دولة أن تلعب فيه دور النعام لتخطي مناهج وأدوات جديدة او عدم النظر الى البعيد بحكم تسارع المتغيرات المحلية الاقليمية والدولية ؛ اذن ما الذي يمكن أن نفعله في الأردن اليوم ؟ يجب أن نعترف بأننا لا زلنا لا نملك سياسات مطورة بالكامل لكثير من قضايا المستقبل الهامة .

إن ممارسة البصيرة الاستراتيجية وتوجيه نتائجها الى المؤسسات الحكومية سيدفع بشكل كبير أفق هذه المؤسسات لتكون خارج الصوامع التقليدية ؛ وللوصول الى واقع ملموس لمجتمعنا  في المستقبل وقد تُغير بشكل كبير الطريقة التي نعيش ونعمل فيها . ربما اليوم وقبل غدٍ تتصدر ضرورة اعادة تنظيم المجتمع من أجل تشكيل مستقبل مزدهر للأجيال القادمة ؛ حيث تحتاج الدولة و الحكومات الى تفعيل مسرعات المستقبل لمواجهة الآثار المحتملة ” لهيكلة ديمغرافية هجينة مبكرة “ ذات أبعاد مؤثرة على المستقبل . إن رسم خرائط المستقبل سيساعد الدولة و الحكومات على تصور كيف يمكن لطبيعة الظواهر التي تواجهها وتأثيرات وأبعاد هذه الظواهر ؛ وبعبارة أكثر دقة تتلخص في صياغة وتحديد ” المنظومة الاستراتيجية  الشاملة ذات الأثر على المدى القريب والبعيد  في الدولة ” وكيف يمكن أن تتحول في المستقبل ؛ وبالتالي ستكون الحكومات متمكنة من خلال بناء القدرة على توزيع التغيير والتحلي بالمرونة ومراجعة السياسات بطريقة اكثر دقة . علاوة على ذلك فإن ترسيخ ثقافة التفكير في قضايا وظواهر المستقبل سيمنح القدرة للحكومات على صناعة السياسات الاستباقية بما يضمن التأسيس لطرق العمل الحكومي الجديدة والمبتكرة . تحتاج الحكومات اليوم الى الاستفادة من تفعيل سياسات مسح الأفق الاستراتيجي لتحديد الظواهر القائمة منها والمحتملة مستقبلا او غير المحتملة ؛ المقبولة او غير المقبولة ؛ الحاصلة او غير الحاصلة ؛ القابلة للحدوث او غير القابلة للحدوث ؛ الواقعة منها او غير الواقعة ؛ المتوقعة منها او غير المتوقعة  ؛ وبما يضمن باستمرار لتحديد الاشارات الضعيفة التي تواجهها او التي تكون أقل وضوحا أمام سياساتها والتي قد تؤدي الى تغييرات كبيرة في المستقبل . أن مشروع  إنشاء ” الرادار الاستراتيجي “ في مجلس الأمن القومي كنموذج أردني جديد على مستوى المنطقة ؛  بحيث يتضمن كافة الظواهر التي سنواجه  في المستقبل ونحدد خلفية كل ظاهرة ومستويات تأثيرها ومن ثم عمل تقييم استراتيجي لها بتطبيق أدوات قياس ومعادلات استراتيجية وبناء على التقييم نعمل على صياغة سيناريوهات للأعوام القادمة وكل سيناريو يرتبط بفترة زمنية محددة تساعدنا على رصد شكل الظاهرة بشتى أنواعها سواء كانت سياسية او أمنية او اجتماعية او تنموية او غيرها وكيفية تحولها الى أشكال مختلفة ؛ عندها سنحدد الشكل  الذي نريد لبلدنا .  إن ذلك سيساعد الحكومات الأردنية بشكل كبير على القيام بدورها بالشكل الصحيح ويكون قائم على مبدأ الاستمرارية والاستدامة لتعاقب الحكومات و يجعلها قادرة على مواجهة تحديات الغد من أجل التحديث والبناء الأفضل للأردن الجديد .