وطنا اليوم – في إحدى حفلات عرض فيلم «وداد»، جلست الآنسة أم كلثوم بطلة الفيلم تشاهد العرض من مقصورة خاصة مع بعض أصدقائها وبدأ العرض وبدأت وداد تغني إحدى مقطوعاتها الساحرة.
وتلفت أحد الأصدقاء إلى الآنسة أم كلثوم ليهنئها على هذا الصوت الملائكي الحنون وإذا به يراها وقد بلل الدمع عينيها وفاض منهمرا على الخدين واختفت الكلمات بين شفتي الصديق وأخذ يخالس أم كلثوم النظر فإذا به يراها كلما أنشدت وداد إحدى أناشيدها تهتز لها طروبة مأخوذة كما قد يطرب لها أي إنسان ليست بينه وبين وداد أية صلة حتى من بعيد لبعيد .
الآنسة أم كلثوم تطرب من صوتها وتهتز له نشوة وارتياحا وكثيرا ما تختلي في غرفتها الخاصة بالفوتغراف وباسطوانات أم كلثوم ويقال إن لديها منها مجموعة كاملة ثم تتمدد على أرض الغرفة مخفية وجهها بين يديها وتأخذ في سماع أغانيها المختلفة وكلما أعجبتها «حركة» صاحت كما يفعل أي سميع في مثل هذه الظروف.
ثم جرت إلى الفوتغراف وأعادت الحركة التي أطربتها ولم يكن ينقصها إلا أن تقدم لها الزهور، ومسكين المنديل الذي يقع بين يديها في مثل هذه الظروف العصيبة وتستهلك ثومة من المناديل بمعدل إثنين أو ثلاثة على الأقل لكل أسطوانة، بحسب ما نشرته مجلة آخر ساعة 1936.
وكل من رأى الآنسة أم كلثوم وهي تغني ومن في مصر لم يرها لاحظ ولا شك تلك العصبية التي تملكها أثناء الغناء وكيف تأخذها النشوة والطرب حتى لتنسى نفسها أحيانا وتسبح في ملكوت الله وتتشعلق عيناها بالهواء وتمضي في ترتيلها الساحر تاركة شاعر الشباب ينادي هموهه أو يقع مغمي عليه بين يدي صديقه الحميم دبشة .
فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي الشهيرة بكوكب الشرق أم كلثوم، ولدت لأسرة متواضعة في قرية طماي الزهايرة بمركز السنبلاوين محافظة الدقهلية، وكان والدها الشيخ إبراهيم، إمام ومؤذن مسجد في القرية.
بدأت أم كلثوم الغناء وهي طفلة صغيرة مع والدها في الموالد والأفراح، وفي عام 1922، انتقلت إلى القاهرة، وكانت نقطة انطلاقتها عندما تعرفت على الشاعر أحمد رامي، والملحن محمد القصبجي، لتصدر عام 1928 مونولوج “إن كنت أسامح وأنسى الآسية”، الذي حقق لها شهرة كبيرة.
والتحقت أم كلثوم بالإذاعة المصرية عند إنشائها عام 1934 وهي أول فنانة دخلت الإذاعة وشاركت في عدة أفلام في الثلاثينيات والأربعينيات، منها فيلم “فاطمة”.
وأصدرت العديد من الأغنيات الناجحة منها “أنت عمري، الاطلال” وسافرت بعض الدول الأوروبية والعربية لإحياء الحفلات، وزارات العراق مرتين فقط الأولى كانت في العام 1934، والثانية في العام 1946، بدعوة ملكية، حسب ما تم نشره بجريدة الأخبار بتاريخ 7 فبراير 1983.