بين الدولة المدنية و الدينية، إشكالية المصطلح والدلالة !

15 أكتوبر 2021
بين الدولة المدنية و الدينية، إشكالية المصطلح والدلالة !

الدكتور أحمد الشناق
الدولة الدينية : جاءت من مصطلح ثيوقراطية بمعنى حكم رجال الدين كسلطة عليا في إدارة شؤون الدولة بطبقة رجال الدين أو ما يعرف بالكهنوت. وبمفهوم أن نظام الحكم يستمد سلطته مباشرة من الإله
” الحق الإلهي” فنشأت مذاهب سياسية وفلسفية، إتفقت على رفض حكم الدين وعلى كل التصورات القائمة على ” نظرية الحق الإلهي من أن الحاكم ذا طبيعة إلهيه، أو مختار بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من اللّٰه ، فلا إعتراض على أقواله وأفعاله ، وعلى الناس الخضوع التام .
مصطلح الدولة الدينية بدلالاته ، جاء مرتبطاً ببيئة نشأت فيها ظروف انتجتها ، وهذا أوجد خلط في المفهوم والدلالة عند التعامل مع بيئة مغايرة ، فيقع الخطأ الكبير ، بفريق يستخدم الإصطلاح حسب بيئة انتجته ، ليوقع المصطلح وإستخدامه في بيئة ليس لها علاقة بهذا المصطلح وتطبيقاته.
فالمصطلح دولة دينية أو مدنية ليست من تعابير البيئة الإسلامية ، وإن كانت المصطلحات لغوياً عربية.
البيئة الإسلامية لم تعايش هذا المصطلح بدلالاته السياسية والفلسفية ، ومن هنا يقع الخلط والغموض في استخدام المصطلح وتطبيقاته ، فالاسلام يؤكد على بشرية الحاكم ، ولا قداسة للحاكم وليس له علاقة باللّٰه ، إلا علاقة العبودية ، وللمسلمين الحق في مراقبته ومحاسبته ، ومصدر السلطة للشعب ( الأمة).
– ” أطيعوني ما أطعت اللّٰه فيكم ، وليت عليكم ولست بخيركم ” ” وإن رأيتم فيّ إعوجاجاً فقوموني”
{ وشاورهم في الأمر } { وامرهم شورى بينهم }
– الفصل بين السلطات بإستقلال القضاء
– نظرية الحكم بركائز النظام السياسي في الإسلام تقوم على :
المساواة، الحرية، العدالة، الشورى
– التطبيق الأول في الإسلام لدولته بعهدها النبوي الشريف : وثيقة المدينة بدولة المواطنة والحقوق والواجبات ، وكانت بدافع مدني سياسي ولم تصدر عن أمر إلهي ( لهم ما لنا، وعليهم ما علينا ) وحقوق المواطنة مكفولة بحرية الإعتقاد ( لا إكراه في الدين )
وحرية التعبير ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احرارا )
الدولة الإسلامية ، دولة دستور وقانون والتزام
( العهدة العمرية)
– وهناك فهم خاطئ من المنادين بمدنية الدولة والموقف من الإسلام ، وفهم مغلوط للدولة المدنية من قبل المنادين بتطبيق الشريعة .
فلا بد من قراءة جديدة في ضوء حاجتنا وواقعنا المعاصر ، نلتمس فيه صورة الدولة الإسلامية الأولى، قبل أن تنال منها المطامع والأهواء وتبعدها عن أصلها النقي. وعلى دعاة التغريب بمصطلح الدولة المدنية( فصل الدين عن الدولة) أن يتوقفوا عن الفهم الخاطئ بموقفهم من الإسلام ، ليس مسؤولاً عن بيئة الحق الإلهي في الحكم، وليس من تطبيقات هذا الدين، وحتى لا توجد طبقة رجال دين في الإسلام، فالاسلام دين علماء وإجتهاد وقراءة وتأويل بما يلائم كل عصر وزمان ومكان.
– نحن والعالم ومستقبل الدولة .
نعيش اليوم مرحلة جديدة في تاريخ المجتمعات ومستقبل الدولة ودورها، نحو علاقة المجتمع بالدين وعلاقته بالدولة. ونحن نشهد إنقلاب الحداثة على نفسها ، وما يطلق عليه
( مرحلة الدولة المدنية ما بعد الدولة المدنية )
– التعامل مع الدين يعود بقوة ومن جديد كظاهرة ، لماذا كان ذلك، وهو إنقلاب الحداثة على ذاتها، إلى الفردانية المغرقة فابتعد الإنسان ” الأفق الأخلاقية” والعقل الوسائلي، فوضع الإنسان أمام مخاطر وجوده ، والأهم هو السياسي بمعنى تحكم مؤسسات المجتمع المدني التقني الصناعي بخيارات الإنسان ، لأنه تحول إلى انسان آلي ، إلى أداة في يد الحداثة ، فانفصل تحقيق الذات عن اية غاية جوهرية للوجود ، وانحصر في البحث عن الرغبات الصغيرة والمبتذلة .
فنحن أمام مرحلة ما بعد الحداثة ، وهي حالة حضارية يطلق عليها ( التململ الحضاري )
فالدولة أصبحت بحاجة إلى مشروعية وتوجهات محددة ، وإلى تطورات الناس التي ينشأ عنها
( الخضوع الحر ) . وبالتالي هي بحاجة إلى رابطة تُستقى من من مصادر متعددة : إجتماعية، إقتصادية، ثقافية، عقلية ودينية . والإشكالية الثقافية، هي أهم مشكل يواجه الدولة المدنية.
روسو طرح مفهوم الدين المدني ، كشرط لتماسك الجماعة وصونها ، وهو مصطلح يعبر عنه الإسلام الدين ، فالاسلام دين مدنية وحضارة وعمارة ، والإستخلاف يحقق سعادة الإنسان وخيره ( لنبلوكم أيكم أحسن عملا ) فوظيفة الدين خلق شعور بالانتماء المجتمعي، ومن دونه لا يكون المواطن صالحاً وأميناً .
– قد يكون مفهوم الدولة لما بعد الحداثة في عالم اليوم ، هو الدولة المدنية الحديثة ( بركيزة الدين المدني، كأساس لتماسك المجتمع ) وهي الدولة التي تكون في طور التشكل الدائم من ناحية آليات الحكم .
– الدولة المدنية الحديثة يجب أن لا يحركها التاريخ وحده ، كقدر خارجي، بل يجب أن تحركها مطالبة المجتمع الذي يؤثر في حركتها وتطورها كصيرورة ذاتيه ونابعة من الذات لتطورها الدائم، ولا يعني ذلك إنعزاليتها عن الحركة العامة للتاريخ . فالأخذ بالإعتبار لهاتين الحركتين، تكون الدولة عنصر حي وكائن مجتمعي، وليس مؤسسة جامدة أو مفهوم أجوف.
– عالم اليوم لا زال يشهد ويعايش مفهوم
( الدولة البائسة ) وأمام تحدي الكسوف أو التحول في آليات إدارة السلطة والموارد بتشاركية مع المجتمع ، فالدولة البائسة تشهد تحولات عميقة لتلافي كسوفها على مستوى العالم، إن ابقت على مجموعات التقليد القديمة للحفاظ على مصالحها وحضورها .
— أبرز تحديات الدولة المدنية الحديثة، لما بعد دولة الأنوار الذي ساد :
* هل الدولة قادرة على التعامل مع التعدد الثقافي على اختلاف الأصول، والذي بات أمر محتوم في عالم اليوم ، وهذا السؤال الأبرز في فلسفة النقاش اليوم.
* تحدي الرابطة الثقافية ” الدينية ” بتهديدات الهجرة ، التي تضغط على البنية الثقافية للدولة، لا بل على الدولة المدنية الحديثة ذاتها .
– إن الدولة المدنية الحديثة اليوم بحاجة إلى
” القدرة التواصل ية ” مع مجتمعها كأساس لنهج
” الديمقراطية المتداولة ” ولتكون بحالة نقاش في القناعات والأولويات والإختيارات والتفحص في التأثيرات الناتجة عن الأفعال الحكومية ، وقدرة السلطات على تحمل المجتمع لممارسة ( سلطة النقد )
وهي تعرف اليوم بنظرية ” النقاش ” كركيزة من ركائز الدولة القوية.
– نحن أحوج ما نكون إلى رؤيا متقدمة لتحول الدولة وتطوّر آليات الحكم، وصولاً لقيم مجتمعية مشتركة، ولخلق علاقة سليمة بحالة وطنية مع الجامع الكبير ( الوطن ) بدولته الديمقراطية الحديثة ، ولكن بعيداً عن الفتاوى البراغماتية المائعة ، والراديكالية المتطرفة بمختلف مرجعياتها .