حد أدنى للضريبة لمواجهة الملاذات الآمنة

13 أكتوبر 2021
حد أدنى للضريبة لمواجهة الملاذات الآمنة

الدكتور خالد الوزني

من الواضح أنَّ اتفاق مجموعة الدول السبع الكبار على قرار تاريخي يفرض على النظام العالمي ضرورة وضع حد أدنى للضريبة على الشركات العالمية بواقع 15%، جاء ليعزِّز القناعة بأنَّ الهروب إلى الملاذات الأمنة أضاع الكثير على دول العالم بشكل عام وعلى الدول المتقدمة بشكل خاص، وجعلها تتنافس على مَن يسعى إلى ضريبة صفرية على حساب استغلال طاقات وموارد الدول المختلفة. مجموعة السبع التي  انطلقت في العام 1976 وتكوَّنت من الولايات المتحدة، المملكة المتحدة، ألمانيا، فرنسا، كندا، إيطاليا، واليابان تجد نفسها اليوم في مواجهة ملاذاتٍ ضيَّعت فرصاً كبيرة لتحقيق إيرادات من شركات عالمية في دول كانت المصدر الحقيقي للدخل، ما حرم تلك الدول على فترات طويلة من إيرادات عامة كان يمكن استخدامها في تحقيق تنمية وإنفاق رأسمالي يحقِّق عوائد كبيرة لتلك الدول، وذلك وفق مفهوم حساب تكلفة الفرصة البديلة للأموال الضائعة. التوجُّهات الجديدة ستفرض على دول العالم الالتزام بالتنافس بعيداً عن التخفيضات الضريبية، مقابل اللجوء إلى حوافز تنظيمية إجرائية تجعل المستثمرين يفاضلون بين الدول من منظور الرشاقة الإجرائية، والشفافية والحاكمية الرشيدة، وتوفِّر الموارد الطبيعية والبشرية، والنفاذ إلى الأسواق، وسهولة التعامل مع الجهاز الحكومي، واستقرار التشريع، واغتنام الفرص الواعدة، وتحقيق عوائد مناسبة على استثماراتهم. 

التوجُّهات العالمية تعني بالضرورة عدة معطيات. فمن ناحية، هناك أهمية الدور الضريبي في تحقيق أهداف التنمية للدول، وخاصة في إقامة البنية التحتية المناسبة، وفي إيصال الخدمات للمستثمرين والمناطق التنموية. ومن ناحية ثانية، تعدُّ الضريبة، وليس المساعدات أو القروض، النافذة التي تسهم في تحقيق استثمارات عامة، وتكوين صناديق سيادية، تسهم بدورها في تحقيق عوائد إضافية للخزينة. وهو ما يشير إلى ضرورة استمرار الدور الاستثماري الحقيقي للدول، وهو دور يحقِّق بعض العوائد المستدامة التي يمكن الاعتماد على عوائدها حينما تشح، أو تنخفض مصادر الإيرادات العامة الضريبية. والشاهد هنا، أنَّ الإيراد الضريبي المناسب، وضمن عبء معقول، هو أحد أهم مجالات الادخار القومي الذي تتحقَّق من خلاله استثمارات متنوعة للحكومات. بقي القول أنَّ العبء الضريبي الرشيد، هو ذاك العبء الذي يُحفِّز الشركات على تحقيق عوائدها، ولا يرهق استثماراتها، ويسمح باستقطاب وجذب المزيد منها، ويسمح لها بالتوسُّع الدائم في الدول. بل إنَّ التنافسية الضريبية تحتِّم على الدول الجادة الساعية إلى تحريك عجلة الاقتصاد على أن تُركِّز في سياساتها على بيئة استثمارية جاذبة، تجعل الاستثمار لا يتجثّم عبء إجراءات وعمليات ومستندات ومعاملات دفع الضرائب، ولا يحمل همَّ العمل الورقي الضريبي المتراكم وغير المفهوم، أو  العمل المُبَطَّن بالكثير من الفساد والإفساد، أو المساومات المُعلنة أو الخفية، فوق الطاولة أو تحتها، بيئة مُحفِّزة وحاضنة تكفل إجراءاتٍ سهلةً واضحةً ونفاذاً إلى أسواق العالم، وتحتوي على بنية تحتية، وموارد طبيعية وبشرية تتناسب ومتطلبات السوق من حيث الكم والنوع.